الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في صحة زواج المرء بمن سبق أن زنى بها أبوه، أو ابنه، ففي بداية المجتهد:
فقال الشافعي: الزنى بالمرأة لا يحرم نكاح أمها، ولا ابنتها، ولا نكاح أبي الزاني بها، ولا ابنه.
وقال أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي: يحرم الزنى ما يحرم النكاح.
وأما مالك، ففي الموطأ عنه مثل الشافعي: أنه لا يحرم.
وروى عنه ابن القاسم مثل قول أبي حنيفة: أنه يحرم.....
وعليه؛ فمسألة زواج الرجل بمن زنى بها أبوه، مختلف فيها، كما ترين.
ونحن نرى أن القول بالتحريم هو الراجح من ناحية الدليل؛ لأن الأب من الزنى سكت الشارع عن تسميته أبًا، وأقرّ ذلك، كما في حديث جريج، حيث سأل الغلام قائلًا: من أبوك؟ والقصة متفق عليها.
ومن المعلوم أن الشارع لا يقرّ إلا حقًّا، والله عز وجل قال: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً [النساء:22].
كما أن هذا القول أيضًا أحوط، وأبعد من الشبهة؛ إذ لا يخفى أن زواج ابن الزاني بمن زنى بها أبوه، يمكّن الأب الزاني من الدخول عليها متى شاء، وكيف شاء، والاختلاء بها؛ بحكم أنها زوجة ابنه، الأمر الذي لا يؤمن معه غالبًا من العود إلى الحالة السابقة، التي لا ترضي الله تعالى، وقد قيل في هذا المعنى:
أخو الشوق القديم وإن تعزى مشوق حين يلقى العاشقينا
لذا؛ فإنا نرى أنه لا يجوز لك الزواج من ابن هذا الرجل، ولو كان مرضيًّا، إذا كانت العلاقة التي ذكرت وصلت إلى حد الفاحشة.
ونسأل الله عز وجل أن يرزقك زوجًا صالحًا، لا شبهة فيه، ومن ترك شيئًا لله، عوّضه الله خيرًا منه.
وقد سبق أن أجبنا عن حكم تزوج الزاني بمن زنى بأمّها، في الفتوى: 9331، فلترجعي إليها لمزيد من الفائدة؛ لأن الموضوع واحد.
والله أعلم.