الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أن العلم الموروث عن الأنبياء، الذي تحيى به القلوب، وتؤدَّى به الحقوق، ويوصِل إلى مرضاة الله تعالى وجنته: هو أفضل العلوم مطلقا، وطلبه آكد وأنفع من غيره، ولا ينفي ذلك ما للعلوم الأخرى من فضل إذا طلبها صاحبها ناويًا نفع نفسه وأمته، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 130606، 256513، 62896.
فالحكم العام هو تفضيل العلوم الشرعية، وتقديم طلبها على غيرها، وراجع للفائدة الفتويين التالية أرقامهما: 48284، 63951.
ومع ذلك ننبه على أن هذا الحكم قد يتغير في حق بعض الناس، فقد يتصف المرء بصفات، وتكون أحوال الأمة على نحو يجعل طلب المفضول في حق هذا الشخص بعينه فاضلا، كأن يتعسر على شخص ما طلب العلم الشرعي ولا ينفتح له ذهنه، في حين يفتح عليه في علم مهم تحتاجه الأمة ولا يوجد من يحسنه مثله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قد يكون العمل المفضول في حق بعض الناس أفضل لكونه أنفع له وكونه أرغب فيه، وهو أحب إليه من عمل أفضل منه لكونه يعجز عنه أو لم يتيسر له، فهذا يختلف بحسب اختلاف الأشخاص، وهو غير ما ثبت فضل جنسه بالشرع. اهـ.
وقال في موضع آخر: قد يكون بعض الناس انتفاعه بالمفضول أكثر بحسب حاله، إما لاجتماع قلبه عليه، وانشراح صدره له، ووجود قوته له... وقد يكون الرجل عاجزا عن الأفضل فيكون ما يقدر عليه في حقه أفضل له. اهـ.
وقال في موضع آخر: قد يكون العمل المفضول أفضل بحسب حال الشخص المعين؛ لكونه عاجزا عن الأفضل، أو لكون محبته ورغبته واهتمامه وانتفاعه بالمفضول أكثر، فيكون أفضل في حقه لما يقترن به من مزيد عمله وحبه وإرادته وانتفاعه، كما أن المريض ينتفع بالدواء الذي يشتهيه ما لا ينتفع بما لا يشتهيه، وإن كان جنس ذلك أفضل. اهـ.
وقال أيضا: المفضول قد يصير فاضلا لمصلحة راجحة، وإذا كان المحرم كأكل الميتة قد يصير واجبا للمصلحة الراجحة ودفع الضرر، فلأن يصير المفضول فاضلا لمصلحة راجحة أولى. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 122837.
والله أعلم.