الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من حال هذا الرجل أنه مجرد سائل، ولا حق له في أن يأخذ شيئا منك على سبيل الأجرة مادمت لم تطلب منه حراسة النعال، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: من عمل لغيره عملاً بغير جُعلٍ ـ أي عوض ـ لم يستحق عوضاً، لا نعلم في هذا خلافاً . اهـ بتصرف يسير.
وأما عن غضبك الذي لم يترتب عليه تصرف خاطئ: فلا إثم عليك فيه ولا ينافي ذلك النهي الوارد في حديث: لا تغضب ـ فقد مدح الشرع من غضب وكظم وعفا وملك نفسه عند الغضب، لقوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134}.
وقال عز وجل: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ {الشورى:37}.
وروى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
قال ابن حجر في الفتح: قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى قَوْله: لا تَغْضَب ـ اِجْتَنِبْ أَسْبَاب الْغَضَب وَلا تَتَعَرَّض لِمَا يَجْلِبهُ، وَأَمَّا نَفْس الْغَضَب فَلا يَتَأَتَّى النَّهْي عَنْهُ، لأَنَّهُ أَمْر طَبِيعِيّ لا يَزُول مِنْ الْجِبِلَّة, وَقَالَ غَيْره: مَا كَانَ مِنْ قَبِيل مَا يُكْتَسَب بِالرِّيَاضَةِ فَهُوَ الْمُرَاد.. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لا تَفْعَل مَا يَأْمُرك بِهِ الْغَضَب، وَقَالَ اِبْن بَطَّال: فِي الْحَدِيث.. أَنَّ مُجَاهَدَة النَّفْس أَشَدُّ مِنْ مُجَاهَدَة الْعَدُوّ، لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الَّذِي يَمْلِك نَفْسه عِنْدَ الْغَضَب أَعْظَم النَّاس قُوَّة، وَقَالَ غَيْره: لَعَلَّ السَّائِل كَانَ غَضُوبًا, وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُر كُلّ أَحَد بِمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ, فَلِهَذَا اِقْتَصَرَ فِي وَصِيَّته لَهُ عَلَى تَرْك الْغَضَب وَقَالَ اِبْن التِّين: جَمَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله: لا تَغْضَب ـ خَيْر الدُّنْيَا وَالآخِرَة، لأَنَّ الْغَضَب يَؤولُ إِلَى التَّقَاطُع وَمَنْع الرِّفْق, وَرُبَّمَا آلَ إِلَى أَنْ يُؤْذِي الْمَغْضُوب عَلَيْهِ فَيُنْتَقَص ذَلِكَ مِنْ الدِّين... اهـ.
وأما المشاجرة دفاعا عن المال: فهي جائزة بقدر ما تدفع عن أخذ مالك، فيجوز لك رفض إعطاء ما لا يلزمك دفعه، وإن أراد أخذه بالقوة فيجوز رد عدوانه، فقد روى مسلم وغيره: أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
وراجع للفائدة فتوانا: 35294، بعنوان: المدافعة عن المال غير واجبة وتركها لما هو أحب إلى الله أفضل.
والله أعلم.