الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام الرجل قد نوى طلقة واحدة بتلك العبارة، فلم تقع إلا واحدة، قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: وإذا قال لمدخول بها أنت طالق، أنت طالق، لزمه تطليقتان، إلا أن يكون أراد بالثانية إفهامها أن قد وقعت بها الأولى، فتلزمه واحدة.
وأمّا تكراره العبارة بعد ذلك مرتين منفصلتين، فالأصل أنّه لا يقبل منه في القضاء إرادة التأكيد والإخبار بوقوع الطلاق؛ لكن يقبل ذلك فيما بينه وبين الله، قال الشربيني الشافعي رحمه الله:... كَأَنْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ، فَثَلَاثٌ، سَوَاءٌ أَقَصَدَ التَّأْكِيدَ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، لَكِنْ إذَا قَالَ: قَصَدْت التَّأْكِيدَ، فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ.
مع التنبيه إلى أنّ بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يرى أنّ الطلاق المتتابع دون عقد أو رجعة يقع واحدة، وراجع الفتوى رقم: 192961.
وسواء وقعت طلقة واحدة أو ثلاث، فإنّ على المرأة عدة الطلاق، وهي ثلاث حيضات إن كانت المرأة ممن تحيض، وبوضع الحمل من الحامل، وبانقضاء ثلاثة أشهر إن كانت المرأة صغيرة لم تحض أو كبيرة يئست من الحيض، وإذا انقطع الحيض لسبب معلوم، تنتظر المرأة حتى يعود الحيض فتعتد به، وأما إذا كان انقطاع الحيض لسبب غير معلوم فإن عدتها سنة كاملة، قال ابن قدامة: وإن عرفت ما رفع الحيض، كانت في عدة حتى يعود الحيض، فتعتد به، إلا أن تصير من الآيسات، فتعتد بثلاثة أشهر من وقت تصير في عداد الآيسات، أما إذا عرفت أن ارتفاع الحيض بعارض، من مرض أو نفاس، أو رضاع، فإنها تنتظر زوال العارض، وعود الدم وإن طال، إلا أن تصير في سن الإياس.
وقال: وذوات القرء إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه، اعتدت بتسعة أشهر للحمل، وعدة الآيسة.
وحيث كان الطلاق غير مكمل للثلاث، فإنّ للزوج مراجعة امرأته في عدتها، وقد بينا ما تحصل به الرجعة شرعا في الفتوى رقم: 54195.
فإن انقضت العدة قبل مراجعتها لم يملك الرجعة إلا بعقد جديد، أما إذا كان الطلاق مكملاً للثلاث، فإنّ المرأة تبين من زوجها بينونة كبرى، فلا يملك رجعتها إلا إذا تزوجت زوجاً آخر ـ زواج رغبة لا زواج تحليل ـ ويدخل بها الزوج الجديد ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه.
والذي ننصح به أن تعرض المسألة على المحكمة الشرعية أو على من تمكنكم مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم ودينهم.
والله أعلم.