الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصة تطليق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حفصة بنت عمر ـ رضي الله عنهما ـ ليست في صحيح البخاري، ولكن جاء في سنن أبي داود وابن ماجه عن عمر ـ رضي الله عنه ـ: أن رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ طَلَّقَ حفصة، ثم راجعها.
وجاء في صحيح ابن حبان عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ، لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَكِ، إِنَّهُ قَدْ كَانَ طَلَّقَكِ، ثُمَّ رَاجَعَكِ مِنْ أَجْلِي، فَأَيْمُ اللَّهِ لَئِنْ كَانَ طَلَّقَكِ لَا كَلَّمْتُكِ كَلِمَةً أَبَدًا»
أما الاستدلال بهذه القصة على كراهة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحفصة ـ رضي الله عنها ـ فهو استدلال باطل بلا ريب، فقد ورد في فضلها ومكانتها عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما رواه الحاكم في المستدرك عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال: يا محمد، طلقت حفصة وهي صوامة قوامة، وهي زوجتك في الجنة، فراجعها.
فراجعها النبي ـ صلى الله عليه وسلم- وبقيت لها مكانتها وفضلها ـ رضي الله عنها، قال الطحاوي ـ رحمه الله ـ: " وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ طَلَّقَهَا، فَلَمْ يُخْرِجْهَا بِذَلِكَ مِنْ أَزْوَاجِهِ الْمُسْتَحِقَّاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا اسْتَحَقَّتْهُ مَنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ طَلَاقُهُ لَهَا طَلَاقًا لَمْ يَقْطَعِ السَّبَبَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، ثُمَّ كَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ مِنْهُ فِيهَا مَا كَانَ مِنْ مُرَاجَعَتِهِ إِيَّاهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ طَلَاقِهِ إِيَّاهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. شرح مشكل الآثار (12/ 29)
فكيف يتصور أن يكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ امرأة صوّامة قّوامة ستكون معه في الجنة؟ وقد أمره ربه برجعتها عن طريق جبريل ـ عليه السلام ـ فهذا دليل محبة الله لها والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب من يحبه الله.
والله أعلم.