الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد من حديث مَيْمُونَةَ، مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: أَرْضُ الْمَنْشَرِ، وَالْمَحْشَرِ، ائتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ، أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ: فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيه. ورواه ابن ماجه، والطبراني في الكبير، وقال الألباني: منكر. وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند: إسناده ضعيف، زياد بن أبي سودة ذكره الذهبي في "الميزان"، وقال: في النفس شيء من الاحتجاج به، وأورد له هذا الحديث، وقال: هذا حديث منكر جدًّا، ثم نقل عن عبد الحق قولَه فيه: ليس هذا الحديث بقوي، وقولَ ابن القطان: زياد، وعثمان ممّن يجب التوقف في روايتهما، وقال الحافظ في "الإصابة" (في ترجمة ميمونة): فيه نظر. انتهى.
وأما معنى (تهدي زيتًا يسرج فيه) فقد بيّنه السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه، حيث قال -رحمه الله- قَوْلُهُ: (أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ) أَرْتَحِلَ يُقَالُ: تَحَمَّلَ إِذَا ارْتَحَلَ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ: فَكَانَتِ الْبِلَادُ إِذْ ذَاكَ حَرْبًا. (فَتُهْدِي) مِنَ الْإِهْدَاءِ، قِيلَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ نُورٌ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الزَّيْتُ إِذَا سُرِّجَ بِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ حُكْمُ السِّرَاجِ فِي الْمَسَاجِدِ. انتهى.
وننبه إلى أن جملة: أَرْضُ الْمَنْشَرِ، وَالْمَحْشَرِ. المذكورة في حديث ميمونة جاءت في حديث آخر صحيح عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ: أَنه سأَلَ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاةِ في بيتِ المقدسِ أفضلُ، أو في مسجدِ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: صلاةٌ في مسجدي هذا، أفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيه، ولنعمَ المصلى، هو أَرضُ المحشرِ، والمنشر، وليأتين على الناسِ زمانٌ، ولَقِيدُ سوطِ ـ أو قال: قوسِ ـ الرجلِ حيث يَرى منه بيتَ المقدسِ؛ خيرٌ له، أو أَحبُّ إليه من الدنيا جميعًا. صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
والله أعلم.