الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلم نجد بعد البحث في المصادر التي بين أيدينا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان له جار يهودي في مكة، وإنما جاءت أحاديث ورد فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان له جار يهودي، ولم تصرح أنه كان جاره في مكة، وظاهرها يدل على أنه إنما كان جاره في المدينة، فقد روى ابن حبان في صحيحه: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَادَ جَارًا لَهُ يَهُودِيًّا. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لَهُ جَارٌ يَهُودِيٌّ فَمَرِضَ، فَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَصْحَابِهِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ فِي الثَّالِثَةِ: قُلْ مَا قَالَ لَك. فَفَعَلَ، ثُمَّ مَاتَ، فَأَرَادَتْ الْيَهُودُ أَنْ تَلِيَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نَحْنُ أَوْلَى بِهِ". وَغَسَّلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَفَّنَهُ، وَحَنَّطَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَنَا: "قُومُوا بِنَا نَعُودُ جَارَنَا الْيَهُودِيَّ". قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ -عليه السلام-: "كَيْفَ أَنْتَ يَا فُلَانُ؟"، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ فِي الثَّالِثَةِ: يَا بُنَيَّ اشْهَدْ. فَشَهِدَ، فَقَالَ -عليه السلام-: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْتَقَ بِي نَسَمَةً مِنْ النَّارِ". انتهى من نصب الراية للزيلعي.
والله أعلم.