الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- سجن سبع مرات كما ذكرت بعض المصادر ولمدد متفاوتة، وفي أماكن مختلفة، فقد سجن في مصر في القاهرة، ثم نقل إلى الإسكندرية، وسجن أيضًا في دمشق في القلعة مرارًا حتى مات وهو في السجن.
ولا نستطيع بشكل دقيق تحديد مجموع المدة التي قضاها في السجن في جميع المرات التي سجن فيها، ولكنها -إذا جمعت- تكون بضعًا من السنين.
وللاطلاع على تفاصيلها وتواريخها وأسبابها يمكن الرجوع لمقدمة الشيخ/ بكر أبو زيد على كتاب الجامع لسيرة شيخ الإسلام؛ فقد استفاض في ذلك كما يمكن الرجوع أيضًا للبداية والنهاية لابن كثير.
أما ابن القيم: فمع أنه مثل شيخه ابن تيمية تعرض لكثير من المحن، إلا أن المصادر التي اطلعنا عليها لم تذكر بشكل صريح أنه سجن إلا في مرة واحدة؛ حيث يقول عنه ابن رجب: وقد امتحن وأوذي مرات، وحبس مَعَ الشيخ تقي الدين فِي المرة الأخيرة بالقلعة، منفردًا عَنْهُ، وَلَمْ يفرج عَنْهُ إلا بَعْد موت الشيخ. اهـ.
ويقول عنه الذهبي: وَقَدْ حُبِسَ مُدَّةً وَأُوذِيَ لإِنْكَارِهِ شَدَّ الرَّحْلِ إِلَى قَبْرِ الْخَلِيلِ. اهـ.
وهذا الكلام يفهم منه أنه رحمه الله لم يتعرض للسجن إلا في المرة التي كان فيها مع شيخ الإسلام حيث لم يفرج عنه إلا بعد وفاة شيخه -رحمهما الله-.
وعلى أية حال؛ فقد قضى في سجن القلعة سنتين وزيادة؛ لأنه حبس بعد حبس شيخ الإسلام بأيام قليلة، وظل في السجن حتى أطلق سراحه بعد وفاة ابن تيمية بشهر؛ جاء في البداية والنهاية لابن كثير -عند ذكر حوادث سنة 726- ما نصه: قَالَ الْبِرْزَالِيُّ: وَفِي يَوْمِ الاثنين عند العصر سادس عشر شَعْبَانَ اعْتُقِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ تَقِيُّ الدين ابن تَيْمِيَّةَ بِقَلْعَةِ دِمَشْقَ، .....
وقال: وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ مُنْتَصَفِ شَعْبَانَ أَمَرَ قَاضِي القضاة الشافعي في حبس جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي سِجْنِ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ بِمَرْسُومِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ وَإِذْنِهِ له فيه، فما تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ فِي أَمْرِهِمْ، وَعُزِّرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى دَوَابَّ وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ أُطْلِقُوا، سِوَى شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ فَإِنَّهُ حبس بالقلعة، وسكتت الْقَضِيَّةُ. اهـ.
وجاء فيه أيضًا -عند ذكر حوادث سنة 728-: وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ عِشْرِينَ ذِي الْحِجَّةِ أُفْرِجَ عَنِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ أَبِي عَبْدِ الله شمس الدين ابن قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ، وَكَانَ مُعْتَقَلًا بِالْقَلْعَةِ أَيْضًا، مِنْ بَعْدِ اعْتِقَالِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بِأَيَّامٍ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ إِلَى هَذَا الْحِينِ. اهـ.
والله أعلم.