الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن أبيك أمارات دالة على الخير، وحسن الخاتمة -نسأل الله أن يغفر له، ويرحمه-.
والمرض المذكور من أمراض البطن، وأدوائه، وقد ورد في حديث الصحيحين: الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله.
والمبطون كما قال النووي في شرح مسلم هو: صاحب داء البطن -وهو الإسهال-. قال القاضي: وقيل: هو الذي به الاستسقاء، وانتفاخ البطن، وقيل: هو الذي تشتكي بطنه، وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا. انتهى.
وقال القاري في مرقاة المفاتيح: والمبطون من إسهال، أو استسقاء، أو وجع بطن.
وقال المناوي في فيض القدير: (والمبطون) الذي يموت بداء بطنه.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: والمبطون هو الذي أصيب بداء البطن، بمعنى أنه يكون فيه إسهال، أو وجع في بطنه، ومنه ما يسمى بالزائدة إذا انفجرت، وما أشبه ذلك، فكل أدواء البطن التي تكون سببًا للموت، فإنها داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: المبطون -لا سيما التي يكون الموت فيها محققًا عاجلًا-. انتهى.
فموت والدك بسبب هذا الداء الذي في بطنه، واستحضاره للشهادة في آخر حياته؛ من أمارات حسن خاتمته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة. رواه الحاكم بسند صحيح، وصححه النووي.
وأما عدم حبه لسماع بعض المقرئين لما يدعيه من كونهم أصحاب رياء: فهذا الاتهام خطأ منه -نسأل الله أن يتجاوز عنه-.
وقوله: "إن الشيطان يريد أن يفسد على الإنسان دنياه وأخراه" كلام صحيح، وإدراكه لذلك دال على حياة قلبه بالإيمان -نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا-.
وننبهك إلى ما روى أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، من حديث مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
فالبرّ لا ينقطع بالموت؛ فاحرصي -وفقنا الله وإياك لكل خير- على البرّ بأبيك، ولو بعد موته، وفق ما ورد في الحديث.
والله أعلم.