الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرزقك رزقًا طيبًا، وأن يوفقك للعلم النافع والعمل الصالح، وراجع في فضل التعليم الفتوى رقم: 21061.
وأما دخول كلية الشريعة لأجل التعلم مع الراتب: فلا بأس به، وإنما المحظور تمحض النية للرياء، أو إرادة الدنيا.
وأما حديث: أنا أغنى الشركاء عن الشرك... فهو في الرياء، وليس في الصورة المذكورة، قال العلامة القرافي في الفروق: الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ ـ تعليقًا على الحديث: وَأَمَّا مُطْلَقُ التَّشْرِيكِ كَمَنْ جَاهَدَ لِيُحَصِّلَ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْجِهَادِ، وَلِيُحَصِّلَ الْمَالَ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ، وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ، فَفَرْقٌ بَيْنَ جِهَادِهِ لِيَقُولَ النَّاسُ إنَّهُ شُجَاعٌ، أَوْ لِيُعَظِّمَهُ الْإِمَامُ فَيُكْثِرَ إعْطَاءَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ رِيَاءٌ حَرَامٌ، وَبَيْنَ أَنْ يُجَاهِدَ لِيُحَصِّلَ السَّبَايَا وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ مِنْ جِهَةِ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ، فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَ، وَلَا يُقَالُ لِهَذَا رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنَّ الرِّيَاءَ لِيَعْمَلَ أَنْ يَرَاهُ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ خَلْقِهِ، وَالرُّؤْيَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الْخَلْقِ، فَمَنْ لَا يَرَى وَلَا يُبْصِرُ لَا يُقَالُ فِي الْعَمَلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ رِيَاءٌ، وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ فِي الْغَنِيمَةِ وَنَحْوُهُ لَا يُقَالُ إنَّهُ يَرَى أَوْ يُبْصِرُ، فَلَا يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَفْظُ الرِّيَاءِ؛ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ حَجَّ وَشَرَّك فِي حَجِّهِ غَرَضَ الْمَتْجَرِ بِأَنْ يَكُونَ جُلُّ مَقْصُودِهِ، أَوْ كُلُّهُ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ خَاصَّةً، وَيَكُونَ الْحَجُّ إمَّا مَقْصُودًا مَعَ ذَلِكَ، أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَيَقَعُ تَابِعًا اتِّفَاقًا، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ، وَلَا يُوجِبُ إثْمًا، وَلَا مَعْصِيَةً. انتهى.
وراجع سائر كلامه فهو نفيس.
وأما حديث: من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله... فقد بينا صحته ومعناه في الفتوى رقم: 140752.
والله أعلم.