الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في ترك السجود مع إكمال التلاوة، وعدم التوقف إذا كنت في مكان لا تستطيع فيه السجود للتلاوة، وذلك أن جمهور أهل العلم يرون أن سجود التلاوة مستحب؛ أي لا إثم في تركه، وراجع الفتوى رقم: 17777.
وأما ما سألت عنه من وجود بدل عن سجود التلاوة في حال تعذر القيام به، فهذا مما اختلف فيه الفقهاء؛ فمنهم من جعل لسجود التلاوة بدلًا من الذكر، كالْقَلْيُوبِيُّ في حاشيته على شرح المحلي حيث قال: يَقُومُ مَقَامَ السُّجُودِ لِلتِّلاوَةِ أَوْ الشُّكْرِ مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّحِيَّةِ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ فِعْلَهَا, وَلَوْ مُتَطَهِّرًا، وَهُوَ: سُبْحَانَ اللَّهِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, وَلا إلَهَ إلا اللَّهُ, وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. انتهى.
ومنهم من يرى أنه لا يقوم مقام السجود ذكر، أو غيره؛ لعدم الدليل، وهو ما رجحه العلامة ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- في الفتاوى الفقهية الكبرى، فقد جاء فيها: وَسُئِلَ أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ عن قَوْلِهِ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ. عِنْدَ تَرْكِ السُّجُودِ لِآيَةِ السَّجْدَةِ لِحَدَثٍ، أو عَجْزٍ عن السُّجُودِ، كما جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ عِنْدَنَا، هل يَقُومُ الْإِتْيَانُ بها مَقَامَ السُّجُودِ، كما قالوا بِذَلِكَ في دَاخِلِ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَنَّهُ يقول: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ؛ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ، كما نَقَلَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا -رَحِمَهُ اللَّهُ- في شَرْحِ الرَّوْضِ عن الْإِحْيَاءِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ في سُجُودِهِ: سَجَدَ وَجْهِي الْفَانِي لِوَجْهِك الْبَاقِي. هل لِذَلِكَ سَنَدٌ مُعْتَبَرٌ، أو يُقَالُ لَا بَأْسَ بِهِ لِلْمُنَاسَبَةِ؟
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: إنَّ ذلك لَا أَصْلَ له، فَلَا يَقُومُ مَقَامَ السَّجْدَةِ، بَلْ يُكْرَهُ له ذلك إنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ، وَلَا يُتَمَسَّكُ بِمَا في الْإِحْيَاءِ؛ أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ لم يَرِدْ فيه شَيْءٌ، وَإِنَّمَا قال الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ يُقَالُ: إنَّ ذلك يَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ في الْفَضْلِ، وقال غَيْرُهُ: إنَّ ذلك رُوِيَ عن بَعْضِ السَّلَفِ، وَمِثْلُ هذا لَا حُجَّةَ فيه بِفَرْضِ صِحَّتِهِ، فَكَيْفَ مع عَدَمِ صِحَّتِهِ؟!
وَأَمَّا ثَانِيًا: فَمِثْلُ ذلك لو صَحَّ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فيه مَسَاغٌ؛ لِأَنَّ قِيَامَ لَفْظٍ مَفْضُولٍ مَقَامَ فِعْلٍ فَاضِلٍ مَحْضٍ فَضْلٌ، فإذا صَحَّ في صُورَةٍ لم يَجُزْ قِيَاسُ غَيْرِهَا عليها في ذلك.
وَأَمَّا ثَالِثًا: فَتِلْكَ الْأَلْفَاظُ التي ذَكَرُوهَا في التَّحِيَّةِ (سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ... إلَخْ) فيها فَضَائِلُ وَخُصُوصِيَّاتٌ لَا تُوجَدُ في غَيْرِهَا؛ منها: أنها صَلَاةُ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ. وَمِنْهَا: أنها الْمُرَادَةُ من قَوْله تَعَالَى: وَإِنْ من شَيْءٍ إلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ. وَمِنْهَا: أنها الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ. وَمِنْهَا: أنها الْقَرْضُ الْحَسَنُ في قَوْله تَعَالَى: من ذَا الذي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ له وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 100273.
والله أعلم.