الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يردنا وإياك إليه ردا جميلا، وأن يعيننا وإياك على توبة صادقة.
فالتوجه لمن هو أرحم الراحمين، وخير الراحمين، ومن هو أرحم بعبده من الوالدة بولدها، ومن يفرح بقبول توبة عبده حين يتوب إليه، ومن يقلب قلوب العباد، ومن لا ينفع ولا يضر إلا هو؛ هو العلاج والدواء فلُذ بجنابه، وافتقر إليه، وانكسر له، وبادر بطاعته وابك بين يديه، وأعلن التوبة ولا تتأخر، فلا تدري متى ينتهي الأجل تجد ربا كريما قابلا للمعذرة؛ قال ابن القيم في مدارج السالكين واصفا هذه الحال: ومن موجبات التوبة الصحيحة أيضا: كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء، ولا تكون لغير المذنب، لا تحصل بجوع، ولا رياضة، ولا حب مجرد، وإنما هي أمر وراء هذا كله، تكسر القلب بين يدي الرب كسرة تامة، قد أحاطت به من جميع جهاته، وألقته بين يدي ربه طريحا ذليلا خاشعا، كحال عبد جان آبق من سيده، فأخذ فأحضر بين يديه، ولم يجد من ينجيه من سطوته، ولم يجد منه بدا ولا عنه غناء، ولا منه مهربا، وعلم أن حياته وسعادته وفلاحه ونجاحه في رضاه عنه، وقد علم إحاطة سيده بتفاصيل جناياته، هذا مع حبه لسيده، وشدة حاجته إليه، وعلمه بضعفه وعجزه وقوة سيده، وذله وعز سيده.
فيجتمع من هذه الأحوال كسرة وذلة وخضوع، ما أنفعها للعبد وما أجدى عائدتها عليه! وما أعظم جبره بها، وما أقربه بها من سيده! فليس شيء أحب إلى سيده من هذه الكسرة، والخضوع والتذلل، والإخبات، والانطراح بين يديه، والاستسلام له، فلله ما أحلى قوله في هذه الحال: أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيد سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه.
يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يهيضون عظما أنت جابره. انتهى.
فإذا وقعت لك التوبة، فتعلق بجنابه، واستعن به أن يثبتك ويعينك، ويهدي قلوب أهلك، فلربما سبقت لهم من الله رحمة وهداية، واعلم أن طاعتك في وسط مكان المنكرات مما يعظم به الأجر؛ وانظر في ذلك الفتوى رقم: 76273.
وراجع فضل العبادة في حال غفلة الناس بالرابط التالي:
https://www.islamweb.net/ar/article/197245
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 17666، وما عجزت عن إنكاره من المنكرات فاستحضر كراهته بقلبك حتى لا تحن إليه، وادع لأصحابه بالهداية.
والله أعلم.