الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالتوبة الصادقة المستوفية شروطها تمحو جميع ما ذكرت وما لم تذكري من الذنوب، وراجعي الفتوى رقم: 264199.
فعليك أن تبادري إلى التوبة، وفتح صفحة جديدة مع الله تعالى، واعلمي أن المولى سبحانه رؤوف رحيم يحب التائبين، ويفرح بتوبتهم، ويبسط يده في كل وقت لمن أسرفوا على أنفسهم ليتوبوا ويعودوا إليه.
وحذار من القنوط من رحمته، قال عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وقال -حكاية عن إبراهيم عليه السلام-: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}. فاحذري من القنوط من رحمة الله؛ فإن ذلك بحد ذاته ذنب يستوجب التوبة، وأحسني ظنك بربك سبحانه، وعولي على كريم فضله.
ثم إن ما ذكرت من الذنوب لا يكفر ولا يخرج به صاحبه من الملة، ولو فرضنا -جدلًا- أنك قد خرجت من الملة وصرت كافرة، فهذا لا يمنع من قبول توبتك، فإن الكافر توبته مقبولة بشروطها المبينة في الفتوى رقم: 94873.
وبخصوص الذنوب التي لها تعلق بحقوق الأدميين المعنوية كالغيبة ونحوها: فيكفي فيها -مع شروط التوبة السابقة في الفتوى الأولى المحال عليها- أن تتحللي من أصحاب تلك الحقوق الذين تعرفينهم، وذلك بإخبارهم وطلب المسامحة منهم، إن لم يؤد ذلك إلى مفسدة. فإن كان طلب التحلل منهم سيؤدي إلى مفسدة، وكراهية، وحقد، فإنه يكتفي بالإكثار من الدعاء لهم بظهر الغيب، وبذكر محاسنهم في المجالس التي ذكرتهم فيها بسوء، فقد قيد العلماء وجوب التحلل بما إذا لم يؤد إلى مفسدة، وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 148501، 121422، 66515، 215656.
والله أعلم.