الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشراء الأرقام الميزة - وإن كان فيه فوائد من حيث سهولة حفظ الرقم - إلا أنه ضرب من السفه والتبذير المنهي عنه للمبالغة فيه، وتفاخر الناس به حتى وصل سعر تلك الأرقام إلى مبالغ عظيمة، وقد نهانا ربنا سبحانه عن الإسراف والتبذير، وأخبر أنه لا يحب المسرفين، وأن المبذرين من إخوان الشياطين، وفي هذا زجر عظيم عن إتيان ذلك أو الإعانة عليه، قال تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا {الإسراء:27}، وقال: وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأنعام:141}.
ولذا أفتى العلماء بحرمته، ومنهم من قال بكراهته، والقول بالحرمة أولى، لأن الأدلة تشهد له، وقواعد الشريعة تعضده وتقويه.
قال السرخسي في المبسوط: وأما السرف فحرام، لقول الله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا وقال جل وعلا: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا [الفرقان:67]، وذلك دليل على أن الإسراف والتقتير حرام، وأن المندوب إليه ما بينهما. انتهى
وقال الخادمي في بريقة محمودية: اعلم أن الإسراف حرام قطعي، لثبوته بقطعي، ومرض قلبي، وخلق رديء دنيء، ولا تظنن أنه أدنى كثيراً في القبح من البخل... انتهى
وإلى القول بالتحريم ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما نقله عنه غير واحد منهم ابن مفلح في الآداب الشرعية فقال: وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر: الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم. انتهى
ثم إنه لا يبعد أن يكون شراء الأرقام المتميزة لخطوط الاتصال والمفاخرة فيها مثل ما نهي عنه من لباس الشهرة، كما في الحديث: من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة. وفي رواية: ثم تلهب فيه النار. رواه ابن ماجه.
وكون المشتري لتلك الأرقام شركات ومؤسسات تحتاج مثل تلك المنفعة فهذا لا بأس به ما لم يصل إلى حد الإسراف المحرم، وهو الواقع فيما نعلم لأن المنفعة المرجوة من سهولة حفظ الرقم لا يمكن أن تعدل الثمن المبذول، ولو امتنع الناس من هذا لما وصل الأمر إلى ما وصل إليه. قال ابن عابدين ـ رحمه الله ـ: الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائداً على ما ينبغي، والتبذير: صرف الشيء فيما لا ينبغي. ا.هـ.
وعلى هذا فليس لك العمل فيما هو محرم أو فيه إعانة على محرم، وبيع الأرقام من ذلك، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والله أعلم.