الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحمدي الله على ما أولاك من نعمته وأكرمك به من واسع فضله، واجتهدي في صرف تلك النعم في مرضاته سبحانه واستعمالها في طاعته، وأكثري من الدعاء لإخوانك المسلمين المبتلين بالعافية، ولا تتمني البلاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تمني لقاء العدو، والعبد لا يدري كيف يكون حاله إذا ابتلي، والمنعم عليه إذا شكر، واتقى الله تعالى لا يقل منزلة عن المبتلى إذا صبر، قال مطرف بن عبد الله رحمه الله: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر. وقال سفيان: إني قرأت القرآن، فوجدت صفة سليمان مع العافية التي كان فيها: نعم العبد إنه أوابٌ {ص: 30} ووجدت صفة أيوب مع البلاء الذي كان فيه: نعم العبد إنه أوابٌ ـ فاستوت الصفتان، وهذا معافى، وهذا مبتلى، فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر، فلما اعتدلا، كانت العافية مع الشكر أحب إليّ من البلاء مع الصبر. انتهى.
فعليك أن تجتهدي في شكر النعم، وصرفها في مرضات المنعم، واستبقائها بمزيد الشكر، كما قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ {إبراهيم:7}.
وسلي الله دوام العافية، فإن العافية من خير ما يعطاه امرؤ في دنياه، وقد قال العباس رضي الله عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَدْعُو بِهِ، فَقَالَ: سَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَدْعُو بِهِ، قَالَ: فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. رواه أحمد والترمذي، وصححه.
والله أعلم.