الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه الأحاديث من الأحاديث التي يذكرها أهل العلم في الفتن، ولم نجد أحدا من العلماء شرحها شرحا كاملا، وإنما يذكر بعضهم ما ورد فيها من غريب الحديث، ونحن نذكر ما ورد من كلامهم في ذلك مما يتضح معه المعنى الإجمالي.
فقزع الخريف بمعنى قزع السحاب، وهي قطع السحاب المتفرقة.
قال ابن الأثير- رحمه الله- في النهاية في غريب الأثر: ومنه حديث علي: [ فَيجتمعون إليه، كما يَجْتمع قَزَعُ الخَريف] أي قِطَع السَّحاب المُتَفَرقة، وإنما خَصَّ الخريف؛ لأنه أوّل الشتاء، والسَّحابُ يكون فيه مُتَفرِّقاً غير مُتراكم، ولا مُطْبِق، ثم يَجْتمع بعضُه إلى بعض بعد ذلك. انتهى.
وقال الزبيدي في تاج العروس: وفي حَديثِ عَلِيَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ ذكر فتْنَةً فقال: ( إِذَا كَانَ ذلِكَ، ضَربَ يَعْسُوبُ الدِّين بذَنَبِه، فيجْتَمعُون إِليه كما يَجْتَمع قَزعُ الخَرِيف). قال الأَصْمَعِيُّ: أَراد سَيِّدَ النَّاس في الدِّين يَوْمَئذٍ. وقيل: ضرَبَ يَعْسُوبُ الدِّين بذَنَبِه، أَي فَارَقَ الفِتْنَةَ وأَهلَهَا ( وضَربَ في الأَرْض ذاهباً) في أَهْل دينه. وذَنَبُه: أَتباعُه. وضَرَب، أَي ذَهَب في الأَرْض مُسَافِراً، أَو مُجَاهِداً. وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: الضرْبُ بالذَّنَبِ هنا مَثَلٌ للإِقَامَة والثَّبَاتِ، يَعْني أَنَّه يَثْبُتُ هو ومَن يَتْبَعُهُ عَلَى الدِّين. وقال أَبو سعيد: وضَرْبُه بِذَنَبه: أَن يَغْرِزَه في الأَرضِ إِذَا بَاضَ كما تَسْرَأُ الجَرَاد، فمعنَاه أَنَّ القائمَ يَوْمَئذٍ يَثْبُتُ حتى يَثُوبَ الناسُ إِلَيْهِ، وحتى يَظْهَرَ الدينُ ويَفْشُوَ. انتهى.
وقال الزمخشري في الفائق: في الحديث: إن المسلمين كانوا يحتسبون الصلاة، فيجيئون بلا داع. أي يتعرفون وقتها ويتوخونه، يأتون المسجد قبل أن يسمعوا الأذان. يخرج آخر الزمان رجل يسمى أمير المعصب، أصحابه محسرون، محقرون، مقصون عن أبواب السلطان، يأتونه من كل أوب كأنهم قزع الخريف، يورثهم الله مشارق الأرض، ومغاربها. حسر محسرون: مؤذون، محمولون على الحسرة، أو مدفعون مبعدون من حسر القناع: إذا كشفه. أو مطرودون متعبون من حسر الدابة إذا أتعبها. من كل أوب. قال ابن السراج: معناه أنهم جاءوا من كل مآب يرجعون إليه، ومن كل مستقر. القزع : السحاب المتفرق. انتهى.
وأمير العصب معناه أمير العصابة، وهي الجماعة من الناس.
قال ابن الأثير في النهاية: ثم تكون في آخِر الزَّمان أميرُ العُصَب: هي جمعُ عُصْبة كالعِصَابة، ولا واحدَ لها من لفْظِها. انتهى.
والله أعلم.