الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما ذو الكفل، فقد قال ابن كثير وغيره، إن ظاهر سياق القرآن يدل على أنه نبي؛ لأنه قرن مع الأنبياء في قوله تعالى: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ* وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ {الأنبياء: 85-86} . وتوقف ابن جرير في ذلك، كما هو مبين في الفتوى رقم: 165397.
وأما الحديث الأول: فقد رواه الإمام أحمد والترمذي، وضعفه الشيخ الألباني -رحمه الله- في سلسلة الأحاديث الضعيفة، ولو كان الحديث صحيحا فليس المذكور هو ذا الكفل.
فقد قال ابن كثير في البداية والنهاية: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ. وَقَالَ حَسَنٌ. وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ فَوَقَفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ سَعْدًا هَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا بِحَدِيثٍ وَاحِدٍ. وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ هَذَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَيْسَ هُوَ ذَا الْكِفْلِ. وَإِنَّمَا لَفْظُ الْحَدِيثِ "الْكِفْلُ" مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ، فَهُوَ رَجُلٌ آخَرُ غَيْرُ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. انتهى.
وأما الأثر الثاني: فلم نجد من حكم عليه بالصحة والضعف، وقد ذكره ابن كثير في البداية والنهاية، ولم يعقب عليه بشيء، وذكر أن هذا الأثر رواه ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ. انتهى. ثم ساق القصة كاملة، ثم قال: وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَرِيبًا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، وَابْنِ حُجَيْرَةَ الْأَكْبَرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ السَّلَفِ نَحْوُ هَذَا. انتهى.
والله أعلم.