الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن جرير في تفسير هذه الآية الكريمة: يقول تعالى ذكره: وإذا تُتلى على مشركي قريش العابدين من دون الله ما لم ينزل به سلطانًا (آياتُنا) يعني: آيات القرآن (بَيِّناتٍ) يقول: واضحات حججها وأدلتها فيما أنزلت فيه (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ) يقول: تتبين في وجوههم ما ينكره أهل الإيمان بالله من تغيرها، لسماعهم بالقرآن.
وقوله: (يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) يقول: يكادون يبطشون بالذين يتلون عليهم آيات كتاب الله من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لشدّة تكرّههم أن يسمعوا القرآن ويتلى عليهم. اهـ.
فيتبين من هذا أن الآية نزلت في شأن كفار قريش، لكن من الممكن أن يؤخذ منها أن من شأن الكفار عمومًا كراهة سماع آيات الله، والنفور منها، وظهور أثر ذلك عليهم، وهذا ما يدل عليه كلام محمد الأمين الشنقيطي، حيث قال: وقد أجرى الله العادة أن الكفرة يكرهون كل الكراهة سماع كلام رب العالمين -والعياذ بالله-، هذا أول الأنبياء الذين أرسلوا لأهل الأرض بعد أن كفروا، نوح (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) فانظروا كيف يكره قومه سماع كلامه؛ لأنه يقول عنهم: {وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا } [نوح: آية 7]. كراهة أن يسمعوا الحق الذي يقوله لهم ذلك النبي الكريم. وهؤلاء الذين بعث فيهم خاتم الرسل (صلوات الله وسلامه عليه) يقولون: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} [فصلت: آية 26]؛ فقد بيّن -جل وعلا- في أخريات سورة الحج شدة كراهتهم لتلاوة القرآن عليهم: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا} [الحج: آية 72] أي: لشدة كراهتهم وبغضهم لتلاوتها .اهـ. من العذب النمير.
لكن لا يلزم من هذا أن كل كافر لا بد وأن يكره سماع آيات الله، أو أن يظهر على وجهه أثر تلك الكراهة في كل مرة يسمع فيها آيات الله.
وأما قولك: (كيف يعرف المؤمن المنكر في وجه الكافر؟) فالمنكر المقصود في الآية -كما تقدم- هو التغير الحاصل في الوجه بسبب كراهته لآيات الله، وهذا أمر ظاهر تبصره الأعين، ولا يفتقر إلى شرح وتوضيح.
والله أعلم.