الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقد المذكور في السؤال يحتمل أن يكون مقاولة، ويحتمل أن يكون وكالة بأجر، فإن كان عقد مقاولة ـ كما هو ظاهر السؤال ـ فالتكلفة في عقد المقاولة يجوز تحديدها بعدة طرق، ومنها كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن عقد المقاولة: الاتفاق على تحديد الثمن على أساس سعر التكلفة الحقيقية، ونسبة ربح مئوية، ويلزم في هذه الحال أن يقدم المقاول بيانات وقوائم مالية دقيقة ومفصلة، وبمواصفات محددة بالتكاليف، يرفعها للجهة المحددة في العقد، ويستحق حينئذ التكلفة بالإضافة للنسبة المتفق عليها. اهـ.
وحسب ما ذكرت في سؤالك، فإن تحديد الثمن في العقد كان على أساس التكلفة الحقيقية، حيث إن خالك لم يتفق معك على أن التكلفة ستون دينارا، بدليل أنه عند كتابة العقد لم يعين قيمة للتكلفة، وعلى هذا فحيث ثبت أنها تسعون ألفا أو أزيد.. فإنه يلزمك دفعها إضافة إلى الأتعاب، وأما ما قاله خالك بشأن عدم تجاوز التكلفة ستين ألفا: فلا يعدو أن يكون توقعا منه، ومن هذه الحيثية لا يلزمه ضمان زيادة التكلفة الحقيقية عما توقعه، طالما لم يتم التعاقد على كون التكلفة الستين ألفا، وانظر الفتوى رقم: 308176.
لكن إن ثبت أن التكلفة قد زادت بسبب إهمال العمال والتقصير في الإشراف عليهم، فحينئذ يلزم خالك ضمان ما زاد في التكلفة بسبب ذلك، وأما كون خالك قد سلم المشروع إلى شريك له ليقوم به، فهذا بمجرده لا حرج فيه إن كنت لم تشترط عليه أن يشرف عليه بنفسه، أو تدل قرائن الحال على ذلك، جاء في قرار المجمع الفقهي: إذا لم يشرط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه، جاز له أن يتفق مع مقاول من الباطن، ما لم يكن العمل بعينه مقصودًا أداؤه من المقاول نفسه لوصف مميز فيه مما يختلف باختلاف الأجراء. اهـ.
لكن إن ثبت أن التكلفة قد زادت بسبب التقصير في الإشراف، فحينئذ يلزم خالك ضمان الزيادة كما ذكرنا، وعلى تقدير أن العقد كان عقد وكالة، فإن كنت قد أذنت له بتوكيل شريكه بالإشراف، أو علمت أنه قد وكله شريكه وأقررت ذلك، فلا يلزم خالك شيء، أما إن كنت لم تعلم بأنه قد وكل شريكه، فالراجح أنه لا يجوز له ذلك، وحينئذ يلزمه ضمان التكلفة الزائدة. قال ابن قدامة في القسم الثالث من أقسام الوكالة المطلقة: وهو ما يمكنه عمله بنفسه, ولا يترفع عنه, فهل يجوز له التوكيل فيه؟ على روايتين، إحداهما, لا يجوز، نقلها ابن منصور، وهو مذهب أبي حنيفة, وأبي يوسف, والشافعي، لأنه لم يأذن له في التوكيل, ولا تضمنه إذنه, فلم يجز, كما لو نهاه, ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه, فلم يكن له أن يوليه لمن لم يأمنه عليه, كالوديعة والأخرى, يجوز، نقلها حنبل، وبه قال ابن أبي ليلى, إذا مرض أو غاب، لأن الوكيل له أن يتصرف بنفسه, فملكه نيابة كالمالك، والأول أولى، ولا يشبه الوكيل المالك، فإن المالك يتصرف بنفسه في ملكه كيف شاء, بخلاف الوكيل. اهـ.
وجاء في المنثور في القواعد في أسباب الضمان وذكر منها: اليد، قال: وهي ضربان: يد غير مؤتمنه، كيد الغاصب، ويد أمانة، كالوديعة، والشركة، والمضاربة، والوكالة، ونحوها، إذا وقع منها التعدي صارت اليد يد ضمان. انتهى.
وجاء في درر الحكام: إذا خالف الوكيل، وترتب ضرر على موكله من ذلك، يضمن الضرر. اهـ
والله أعلم.