الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك تعارض بين فهم النبي صلى الله عليه وسلم من الجمل شكواه وبين دعاء نبي الله سليمان ـ عليه الصلاة والسلام: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ {ص:35}.
وذلك أن فهم النبي صلى الله عليه وسلم شكوى الجمل لا يبطل اختصاص سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ بتمام ملكه الذي لا ينبغي لأحد من بعده، وذلك كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ جَعَلَ يَفْتِكُ عَلي البَارِحَةَ، ليَقْطَعَ عَلي الصَّلاةَ، وَإِنَّ اللهَ أَمْكَنَنِي مِنْهُ فَذَعَتُّهُ، فَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلى جَنْبِ سَارِيةٍ مَنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا تَنْظُرُونَ إِليْهِ أَجْمَعُونَ ـ أَوْ كُلُّكُمْ ـ ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُليْمَانَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُّلْكًا لَّا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ـ فَرَدَّهُ اللهُ خَاسِئًا.
قال السندي ـ رحمه الله ـ في حاشيته على النسائي:..... لَوْلَا دَعْوَة أخينا أَي بقَوْله: رب هَب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي ـ لأصبح، أَي لأخذته وربطته فَأصْبح موثقًا، وَالْمرَاد: لَوْلَا توهم عدم استجابة هَذِه الدعْوَة لأخذته، لَا أَنه بِالْأَخْذِ يلْزم عدم استجابتها، إِذْ لَا يبطل اخْتِصَاص تَمام الْملك لِسُلَيْمَان بِهَذَا الْقدر، فَلْيتَأَمَّل. انتهى.
وأما سماع النبي من الجمل شكواه: فهي ثابتة، وقد فهمها النبي صلى الله عليه وسلم من الجمل مباشرة، ولا يوجد دليل على أن جبريل عليه الصلاة والسلام أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح رياض الصالحين عند الكلام عن هذا الحديث: وهذا من آيات النبي صلى الله عليه وسلم أن البهائم العجم تشكو إليه إذا رأته صلى الله عليه وسلم، لأن هذا من آيات الله التي يؤيد الله بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وقال الشيخ عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ في شرح سنن أبي داود: وهذا من دلائل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، كون الجمل شكا إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم سمع منه هذه الشكوى، وفهمها منه. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 299662.
والله أعلم.