الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرت في شأن الخنثى، والحنث بكلامه، ذكره جمع من المفسرين.
فقد جاء في تفسير الجلالين: «وما خلق الذكر والأنثى» آدم وحواء، وكل ذكر وكل أنثى، والخنثى المشكل عندنا، ذكر أو أنثى عند الله تعالى؛ فيحنث بتكليمه، من حلف لا يكلم ذكرا ولا أنثى. اهـ.
وقد خالف في هذا بعضهم، فرأوا أن هذا محمول على الغالب، وأن الخنثى موجود، ولكنه نادر الوقوع.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشورى: 49-50}.
قال رحمه الله تعالى: قال القاضي أبو بكر بن العربي: وقد أنكر قوم من رؤوس العوام وجود الخنثى؛ لأن الله تعالى قسم الخلق إلى ذكر وأنثى. قلنا: هذا جهل باللغة، وغباوة عن مقطع الفصاحة، وقصور عن معرفة سعة القدرة.
أما قدرة الله سبحانه فإنه واسع عليم، وأما ظاهر القرآن، فلا ينفي وجود الخنثى; لأن الله تعالى قال: لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء. فهذا عموم مدح، فلا يجوز تخصيصه; لأن القدرة تقتضيه. وأما قوله: يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما، فهذا إخبار عن الغالب في الموجودات، وسكت عن ذكر النادر؛ لدخوله تحت عموم الكلام الأول، والوجود يشهد له، والعيان يكذب منكره. اهـ.
وأما تعمد تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، فهو كبيرة، ملعون فاعله؛ فقد قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، قال: فقلت: ما المترجلات من النساء؟ قال: المتشبهات من النساء بالرجال. رواه أحمد في المسند وحسنه الأرناؤوط. وفي البخاري عن ابن عباس أيضا أنه قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء. وفيه عن ابن عباس أيضا: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. وفي المسند عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء، والمترجلات من النساء المتشبهين بالرجال. صححه الأرناؤوط.
والله أعلم.