الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذكر تفسير لهذه الآية العظيمة بشرح مفصل ودقيق لا تحتمله الفتوى، إذ إن من طبيعتها الاختصار، وأما الشرح وبسط القول فموضعه حلق العلم والتعليم عند العلماء الموثوقين، وسنكتفي بنقل كلام الإمام ابن القيم في تفسير هذه الآية، فنرجو أن تتضح لك منه الآية، وهو نقل طويل ولكنه مهم، قال -رحمه الله- في اجتماع الجيوش الإسلامية: وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ نُورًا، وَجَعَلَ كِتَابَهُ نُورًا، وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُورًا، وَدِينَهُ نُورًا، وَاحْتَجَبَ عَنْ خَلْقِهِ بِالنُّورِ، وَجَعَلَ دَارَ أَوْلِيَائِهِ نُورًا تَتَلَأْلَأُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {النور: 35} وَقَدْ فُسِّرَ: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... {النور: 35} الْآيَةَ بِكَوْنِهِ: مُنَوِّرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَهَادِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَبِنُورِهِ اهْتَدَى أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِعْلُهُ، وَإِلَّا فَالنُّورُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْصَافِهِ، قَائِمٌ بِهِ، وَمِنْهُ اشْتُقَّ لَهُ اسْمُ النُّورُ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالنُّورُ يُضَافُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِضَافَةُ صِفَةٍ إِلَى مَوْصُوفِهَا، وَإِضَافَةُ مَفْعُولٍ إِلَى فَاعِلِهِ، فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا... {الزمر: 69} الْآيَةَ، فَهَذَا إِشْرَاقُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِنُورِهِ تَعَالَى إِذَا جَاءَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ: أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَنْ تُضِلَّنِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ـ وَفِي الْأَثَرِ الْآخَرِ: أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ـ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الظُّلُمَاتِ أَشْرَقَتْ لِنُورِ وَجْهِهِ، كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى: أَنَّ الْأَرْضَ تُشْرِقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِنُورِهِ.
وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَالسُّنَّةِ لَهُ وَكِتَابِ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ، وَغَيْرِهَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: لَيْسَ عِنْدَ رَبِّكُمْ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ، نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ ـ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقْرَبُ إِلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِ مَنْ فَسَّرَهَا بِأَنَّهُ هَادِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهَا بِأَنَّهُ مُنَوِّرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ كُلِّهَا، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ـ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ، فَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: مَعْنَاهُ كَانَ ثَمَّ نُورٌ، أَوْ حَالَ دُونَ رُؤْيَتِهِ نُورٌ فَأَنَّى أَرَاهُ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الصَّحِيحِ، هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ نُورًا... وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ... {النور: 35} الْآيَةَ، هَذَا مَثَلٌ لِنُورِهِ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الضَّمِيرِ فِي نُورِهِ، فَقِيلَ: هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: مَثَلُ نُورِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: تَفْسِيرُهُ الْمُؤْمِنُ، أَيْ: مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمَعْنَى: مَثَلُ نُورِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَلْبِ عَبْدِهِ، وَأَعْظَمُ عِبَادِهِ نَصِيبًا مِنْ هَذَا النُّورِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا مَعَ مَا تَضَمَّنَهُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى الْمَذْكُورِ، وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ يَتَضَمَّنُ التَّقَادِيرَ الثَّلَاثَةَ، وَهُوَ أَتَمُّ مَعْنًى وَلَفْظًا، وَهَذَا النُّورُ يُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِذْ هُوَ مُعْطِيهِ لِعَبْدِهِ وَوَاهِبُهُ إِيَّاهُ، وَيُضَافُ إِلَى الْعَبْدِ، إِذْ هُوَ مَحَلُّهُ وَقَابِلُهُ، فَيُضَافُ إِلَى الْفَاعِلِ وَالْقَابِلِ، وَلِهَذَا النُّورِ فَاعِلٌ وَقَابِلٌ، وَمَحَلٌّ وَحَامِلٌ، وَمَادَّةٌ، وَقَدْ تَضَمَّنَتِ الْآيَةُ ذِكْرَ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ، فَالْفَاعِلُ: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى مُفِيضُ الْأَنْوَارِ الْهَادِي لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَالْقَابِلُ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ، وَالْمَحَلُّ قَلْبُهُ، وَالْحَامِلُ: هِمَّتُهُ وَعَزِيمَتُهُ وَإِرَادَتُهُ، وَالْمَادَّةُ: قَوْلُهُ وَعَمَلُهُ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ الْعَجِيبُ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ فِيهِ مِنَ الْأَسْرَارِ وَالْمَعَانِي وَإِظْهَارِ تَمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ بِمَا أَنَالَهُ مِنْ نُورِهِ مَا تَقَرَّ بِهِ عُيُونُ أَهْلِهِ وَتَبْتَهِجُ بِهِ قُلُوبُهُمْ... وَفِي هَذَا التَّشْبِيهِ لِأَهْلِ الْمَعَانِي طَرِيقَتَانِ: أَحَدُهُمَا: طَرِيقَةُ التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ وَهِيَ أَقْرَبُ مَأْخَذًا وَأَسْلَمُ مِنَ التَّكَلُّفِ، وَهِيَ أَنْ تُشَبَّهَ الْجُمْلَةُ بِرُمَّتِهَا بِنُورِ الْمُؤْمِنِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَفْصِيلِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُشَبَّهِ وَمُقَابَلَتِهِ بِجُزْءٍ مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَتَأَمَّلْ صِفَةَ مِشْكَاةٍ، وَهِيَ كُوَّةٌ لَا تَنْفَذُ لِتَكُونَ أَجْمَعَ لِلضَّوْءِ قَدْ وُضِعَ فِيهَا مِصْبَاحٌ، وَذَلِكَ الْمِصْبَاحُ دَاخِلَ زُجَاجَةٍ تُشْبِهُ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي صَفَائِهَا وَحُسْنِهَا، وَمَادَّتُهُ مِنْ أَصْفَى الْأَدْهَانُ وَأَتَمِّهَا وَقُودًا مِنْ زَيْتِ شَجَرَةٍ فِي وَسَطِ الْقَرَاحِ، لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ، بِحَيْثُ تُصِيبُهَا الشَّمْسُ فِي أَحَدِ طَرَفَيِ النَّهَارِ، بَلْ هِيَ فِي وَسَطِ الْقَرَاحِ مَحْمِيَّةٌ بِأَطْرَافِهِ، تُصِيبُهَا الشَّمْسُ أَعْدَلَ إِصَابَةٍ، وَالْآفَاتُ إِلَى الْأَطْرَافِ دُونَهَا، فَمِنْ شِدَّةِ إِضَاءَةِ زَيْتِهَا وَصَفَائِهِ وَحُسْنِهِ يَكَادُ يُضِيءُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّهُ نَارٌ، فَهَذَا الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ هُوَ مَثَلُ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي وَضَعَهُ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ وَخَصَّهُ بِهِ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ التَّشْبِيهِ الْمُفَصَّلِ، فَقِيلَ: الْمِشْكَاةُ صَدْرُ الْمُؤْمِنِ وَالزُّجَاجَةُ قَلْبُهُ، وَشَبَّهَ قَلْبَهُ بِالزُّجَاجَةِ لِرِقَّتِهَا وَصَفَائِهَا وَصَلَابَتِهَا، وَكَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ قَدْ جَمَعَ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ، فَهُوَ يَرْحَمُ وَيُحْسِنُ وَيَتَحَنَّنُ وَيُشْفِقُ عَلَى الْخَلْقِ بِرِقَّتِهِ، وَبِصَفَائِهِ تَتَجَلَّى فِيهِ صُوَرُ الْحَقَائِقِ وَالْعُلُومِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَيُبَاعَدُ الْكَدَرُ وَالدَّرَنُ وَالْوَسَخُ بِحَسَبَ مَا فِيهِ مِنَ الصَّفَاءِ، وَبِصَلَابَتِهِ يَشْتَدُّ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَتَصَلَّبُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَغْلُظُ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَقُومُ بِالْحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَالْآنِيَةِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْقُلُوبُ آنِيَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَرَقُّهَا وَأَصْلَبُهَا وَأَصْفَاهَا، وَالْمِصْبَاحُ هُوَ نُورُ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ، وَالشَّجَرَةُ الْمُبَارَكَةُ هِيَ شَجَرَةُ الْوَحْيِ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْهُدَى، وَدِينُ الْحَقِّ وَهِيَ مَادَّةُ الْمِصْبَاحِ الَّتِي يَتَّقِدُ مِنْهَا، وَالنُّورُ عَلَى النُّورِ: نُورُ الْفِطْرَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِدْرَاكِ الصَّحِيحِ، وَنُورُ الْوَحْيِ وَالْكِتَابِ، فَيَنْضَافُ أَحَدُ النُّورَيْنِ إِلَى الْآخَرِ فَيَزْدَادُ الْعَبْدُ نُورًا عَلَى نُورٍ، وَلِهَذَا يَكَادُ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَالْحِكْمَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ مَا فِيهِ بِالْأَثَرِ، ثُمَّ يَبْلُغُهُ الْأَثَرُ بِمِثْلِ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ وَنَطَقَ بِهِ، فَيَتَّفِقُ عِنْدَهُ شَاهِدُ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَالْفِطْرَة وَالْوَحْي فَيُرِيَهُ عَقْلُهُ وَفِطْرَتُهُ وَذَوْقُهُ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحَقُّ لَا يَتَعَارَضُ عِنْدَهُ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ الْبَتَّةَ، بَلْ يَتَصَادَقَانِ وَيَتَوَافَقَانِ، فَهَذَا عَلَامَةُ النُّورِ عَلَى النُّورِ، عَكْسُ مَنْ تَلَاطَمَتْ فِي قَلْبِهِ أَمْوَاجُ الشُّبَهِ الْبَاطِلَةِ، وَالْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ مِنَ الظُّنُونِ الْجَهْلِيَّاتِ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْلُهَا الْقَوَاطِعَ الْعَقْلِيَّاتِ، فَهِيَ فِي صَدْرِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ {النور: 40} فَانْظُرْ كَيْفَ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ طَرَائِفَ بَنِي آدَمَ كُلِّهِمْ أَتَمَّ انْتِظَامٍ، وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَكْمَلَ اشْتِمَالٍ. انتهى.
وراجع في تفسير هذه الآية أيضًا الفتويين: 99102، 255235.
وأما ما يتعلق بهذه الآية مما يجب اعتقاده: فقد بيناه في الفتوى: 52952، فراجعها.
واعلم -رحمك الله- أن تفاسير العلماء الأولين من السلف الصالح فيها العلم الغزير والخير العميم، ولا فهم للمتأخرين لكتاب الله تعالى إلا بما كتبه السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، فكل الغنم في تتبع تفاسيرهم، وكل الغبن في الانصراف عن كلماتهم، وليس من شك أن بعض كلام السلف يحتاج إلى إيضاح وبسط بأسلوب يفهمه الناس اليوم، وهو -كما تفضلت- من وظيفة أهل العلم في هذا الزمان كما كانت وظيفتهم في كل زمان، ولكن من الخطأ تعميم القول بأن ما بسطه الأولون في التفسير لا يخلو من بدعة، بل تفسير الأولين الغالب عليه السلامة من البدعة، وقد توجد بدع في تفاسير بعضهم ممن انتهج غير سبيل أهل السنة والجماعة في الاعتقاد، وراجع الفتوى: 242161، في حكم رواية الإسرائيليات والاستشهاد بها في كتب التفسير.
ولمزيد فائدة راجع الفتوى: 27551، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.