الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاستعمال مثل هذه الأجهزة، ليست من اتخاذ البطانة التي قال الله فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ... [آل عمران: 118]. بغض النظر عن صانعيها ومبرمجيها؛ لأن معنى البطانة لا ينطبق عليها.
قال الزجاج في (معاني القرآن وإعرابه): البطانة: الدخلاءِ الذين يُستبطَنون ويُتبسَّط إليهم، يقال: فلان بِطانة لفلان، أي مداخل له ومُؤانس، فالمعنى أن المؤمنين أمِروا ألا يداخلوا المنافقين ولا اليهود، وذلك أنهم كانوا لا يبقون غاية في التلبيس على المؤمنين. فأمروا بألا يداخلوهم لئلا يفسدوا عليهم دينهم. اهـ.
وقال ابن عطية في (المحرر الوجيز): نهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية عن أن يتخذوا من الكفار واليهود أخلاء، يأنسون بهم في الباطن من أمورهم، ويفاوضونهم في الآراء، ويستنيمون إليهم. اهـ.
وقال القرطبي في الجامع: نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود، وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم. اهـ.
وقال السعدي في تفسيره: يظهرونهم على سرائرهم، أو يولونهم بعض الأعمال الإسلامية. اهـ.
ومع ذلك، فالمؤمن مطالب بأخذ الحذر مما يضره، ويفسد عليه أمره، ويتأكد هذا في حق أعدائه وخصومه ومبغضيه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: 71].
قال القاسمي في (محاسن التأويل): أي تيقظوا، واحترزوا من العدوّ، ولا تمكنوه من أنفسكم. يقال: أخذ حذره، إذا تيقظ واحترز من المخوف. كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه. اهـ.
وقال السعدي في تفسيره: وهذا يشمل الأخذ بجميع الأسباب، التي بها يستعان على قتالهم، ويستدفع مكرهم وقوتهم. اهـ.
والله أعلم.