الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا بد أولا من التفريق بين الحكم على الفعل أنه شرك وبين الحكم على الفاعل المعين أنه مشرك، وقد سبق بيان هذا بالتفصيل في الفتوى رقم: 721، فراجعها.
ودعاء صاحب القبر أو الاستغاثة به لا شك أنه من الشرك، لأنه صرف للعبادة لغير الله تعالى، قال الله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ {الأحقاف: 5ـ 6 }.
فسمى الله تعالى دعاء غيره عبادة، وقال تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ {يونس 106}.
قال البغوي: وَلَا تَدْعُ ـ وَلَا تَعْبُدْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ ـ إِنْ أَطَعْتَهُ، وَلَا يَضُرُّكَ ـ إِنْ عَصَيْتَهُ، فَإِنْ فَعَلْتَ ـ فَعَبَدْتَ غَيْرَ اللَّهِ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ، الضَّارِّينَ لِأَنْفُسِهِمُ، الْوَاضِعِينَ لِلْعِبَادَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة عن الاستعانة بالأموات: الاستعانة بالأموات شرك، وأنهم لا يملكون أن يستجيبوا لدعائهم بل لا يسمعونه وسيتبرؤون منهم ومن عبادتهم، والأدلة على هذا من الكتاب والسنة كثيرة، فمنها: قوله تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ـ وقوله سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ. اهــ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: لا شك أن هذا الأمر شركٌ أكبر أي أن الإنسان يذهب إلى أصحاب القبور ليدعوهم لينجوه مما وقع به من البلاء، لا شك أنه شركٌ أكبر يخرج الإنسان عن الإسلام، موجبٌ للخلود في النار ـ والعياذ بالله ـ كما قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ـ فالدعاء لا يكون إلا لله عز وجل، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ـ وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ـ فدعاء أصحاب القبور لا يجدي شيئاً، بل هو يضر الإنسان ويخرجه من الإسلام. اهــ.
ولم نجد كلاما للمتقدمين من أهل العلم بخصوص دعاء الأموات بالطريقة المذكورة، لكن وجدنا نقلا عن الشيخ يوسف القرضاوي من كتابه حقيقة التوحيد، يقول الشيخ: ومما يأسف له كل مسلم غيور على دينه أن ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم قد وقع فيه كثير من أهل الإسلام، فقد اتخذوا قبور بعض الصالحين أعياداً، وشيدوها وزخرفوها، وبنوا عليها المساجد والقباب، وأوقدوا عليها السرج والقناديل، ووقفوا لذلك الوقوف، ونذروا لها النذور، وطافوا بها كالكعبة واستلموها كالحجر الأسود، وأوسعوا جدرانها لثماً وتقبيلاً، ومنهم من يسجد لها، ويعفر الخدود على ترابها، ويقف خاشعاً مستكيناً، يستغيث بأصحابها، يسأله مشافهة قضاء الديون، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وشفاء المرضى والنصر على الأعداء، وبعضهم يقدم طلباته مكتوبة في رقاع إلى صاحب القبر، وهذا من الشرك الصريح، ولا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ.
ولمزيد من التفصيل راجع الفتوى رقم: 113449، عن الاستعانة بالأموات في تفريج الكروب ودفع الخطوب.
والله أعلم.