الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعمل الموظف لنفسه أو لغير جهة عمله إما أ يكون أ ثناء دوامه في وقت فراغه أو بعد انتهاء دوامه، فأما إن كان في أوقات الفراغ أثناء الدوام: فقد بينا في جملة من فتاوانا أن الموظف يعتبر أجيراً خاصاً، وهو الذي يقع عليه العقد في مدة معلومة يستحق المستأجر منفعته المعقود عليها في تلك المدة، وقد نص الفقهاء على أن الأجير الخاص لا يجوز له أن يصرف الوقت المتعاقد عليه في غير صالح جهة عمله ولو لم يسند إليه عمل أثناءه إلا بإذن نصي أو عرفي، لأن منافعه في المدة المتفق عليها صارت مستحقة لمستأجره، قال الزيلعي في تبيين الحقائق: سمي أجيراً خاصاً وأجير وحدٍ لأنه يختص به الواحد وهو المستأجر، وليس له أن يعمل لغيره، لأن منافعه في المدة صارت مستحقة له والأجر مقابل بها.
وقال ابن رجب الحنبلي في قواعده: الأجير الخاص إذا أسلم نفسه إلى مستأجره فلم يستعمله استقرت له الأجرة لتلف منافعه تحت يده.
وقال البهوتي في كشاف القناع: وليس له أي الأجير الخاص أن يعمل لغيره أي غير مستأجره، لأنه يفوت عليه ما استحقه بالعقد.
لكن إذا علم عرفا أن الجهة المسؤولة لا تمانع في انتفاع الموظف بوقت فراغه فيما ينفعه ولا يضر جهة عمله ولو بتصميم برنامج أو غيرها، فلا حرج عليه في ذلك, قال الإمام النووي في شرح مسلم: الإذن ضربان:
أحدهما: الإذن الصريح...
والثاني: الإذن المفهوم من اطراد العرف والعادة.
وقال ابن قدامة في المغني: الإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي. اهـ.
وأما لو منعت جهة العمل من ذلك، فلا يجوز فعله ولو كثر المخالفون لذلك الشرط، فلا اعتبار لمخالفتهم وعدم التزامهم بما يجب عليهم، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود {المائدة: 1}.
وأما عمل الموظف بعد انتهاء دوامه: فالأصل فيه الجواز إلا إذا اشترط عليه عدم العمل في العقد ورضي هو بهذا الشرط فإنه يلزمه الوفاء به، للآية السابقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ورواه الترمذي عن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده.
وفي صحيح البخاري عن ابن سيرين: أن رجلا قال لكريه: ادخل ركابك، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه.
والله أعلم.