الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتحري الحلال مما تشكر عليه السائلة وعائلتها، ولكن هذا الزوج ـ كما وصفته السائلةـ : رجل متدين ويخاف الله، ويحاول أن يتحرى الحلال، ولا يرضى بالمال الحرام أبداً. وقد وعد بأنه لن يشارك في أرباح مثل هذه الصفقات (المشبوهة، أو المحرمة). وبأنه لن يُدخل بيته فلسا حراما.
ومع كونهم لم يجربوا عليه كذبا، إلا أن أهل السائلة لم يصدقوه، وقالت أمها: إنه يكذب!
وقد كان الجدير بمن يتحرى الحلال في مطعمه ومشربه، أن يتحرى الواجب في منطقه، ويتورع عن سب الناس وغيبتهم، والتنقص من أقدارهم! فإن أكل لحم المسلم بغيبته، لا تقل عن أكل الحرام، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أربى الربا، الاستطالة في عرض المسلم بغير حق. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.
قال العظيم أبادي في (عون المعبود): "إن من أربى الربا" أي أكثره وبالا، وأشده تحريما "الاستطالة" أي إطالة اللسان "في عرض المسلم" أي احتقاره، والترفع عليه، والوقيعة فيه بنحو قذف، أو سب. اهـ.
وقال الطيبي في شرح المشكاة: جعل الربا نوعين، متعارف: وهو ما يؤخذ من الزيادة على ماله من المديون. وغير متعارف: هو استطالة الرجل باللسان في عرض صاحبه، ثم فضل أحد النوعين على الآخر. اهـ.
وأما سؤال السائلة: (فهل سيكون في المال شيء من الحرمة؟) فجوابه أن ما ذكرته لا يصح الاعتماد عليه في الحكم بحرمة شيء من المال الذي سينفقه زوجها عليها! ولا سيما وهي لم تذكر أصلا سبب الحرمة في الصفقة المذكورة في السؤال، فلعلها لا تبلغ رتبة الحرام، بل شبهة ونحو ذلك.
وعلى أية حال، فمجرد مشاركة من لا يتحرز من الحرام، أو من ماله مختلط، مكروهة لا محرمة، وراجعي في ذلك الفتويين: 65355، 70079.
وعلى هذا، ينبغي أن تقتصر نصيحة هذا الزوج، على أن يبحث عن شركاء يتحرون الحلال في كسبهم؛ طلبا للسلامة، وتجنبا للشبهة، وخروجا من الكراهة. وأما اتهامه بالكذب، أو التعامل معه على أن كسبه محرم، فلا يصح.
والله أعلم.