الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مولى الهاشمي الذي تحرم عليه الصدقة عند من حرمها من العلماء هو من للهاشمي عليه عتق، وأما من ليس للهاشمي عليه عتق، فلا يقول أحد من العلماء بمنعه الصدقة وإن كان حليفا، لأنه ليس من ذوي القربى بلا شك، وأما المولى: فإنه ملحق بذوي القربى عند من رأى ذلك من العلماء كالحنابلة، لحديث: إن موالي القوم منهم.
قال ابن قدامة مفصلا الخلاف في دفع الزكاة لمولى الهاشمي: قَالَ: وَلَا لِمَوَالِيهِمْ ـ يَعْنِي أَنَّ مَوَالِيَ بَنِي هَاشِمٍ، وَهُمْ مَنْ أَعْتَقَهُمْ هَاشِمِيٌّ، لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُمْنَعُوا الصَّدَقَةَ كَسَائِرِ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَوَّضُوا عَنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ مِنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَرِّمُوهَا كَسَائِرِ النَّاسِ، وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا، فَقَالَ: لَا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ، فَانْطَلَقَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ ـ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَرِثُهُمْ بَنُو هَاشِمٍ بِالتَّعْصِيبِ، فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِمْ كَبَنِي هَاشِمٍ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَرَابَةٍ، قُلْنَا: هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ ـ وَقَوْلُهُ: مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْهُمْ ـ وَثَبَتَ فِيهِمْ حُكْمُ الْقَرَابَةِ مِنْ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ وَالنَّفَقَةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حُكْمِ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ فِيهِمْ. انتهى.
وكل المعاني المذكورة في المولى ليست موجودة في الأحلاف، فهم كسائر الناس يعطون من الزكاة بغير شك، ولا تحل صدقة الفرض للهاشمي ولا لمولاه، سواء كانت صدقة هاشمي أو غيره، لعموم الأخبار، وأما إذا منعوا حقهم من الخمس أو لم يكن ثم خمس، فمن العلماء من رخص لهم في أخذ الصدقة والحال هذه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن الأحوط أن يمتنعوا عن أخذ الصدقة الواجبة بكل حال، وانظر الفتوى رقم: 111209.
ثم إنه يمكن سد خلة الهاشميين إذا أعوزوا من صدقات التطوع والوصايا والأوقاف ونحوها، فإن ذلك يحل لهم عند الجمهور، قال ابن قدامة: وَيَجُوزُ لِذَوِي الْقُرْبَى الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّمَا لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، فَأَمَّا التَّطَوُّعِ، فَلَا، وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ أَيْضًا، لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ ـ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ صَدَقَةٌ ـ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ {المائدة: 45} وَقَالَ تَعَالَى: فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة: 280} وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ الْمَعْرُوفِ إلَى الْهَاشِمِيِّ، وَالْعَفْوِ عَنْهُ وَإِنْظَارِهِ، وَقَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ: وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا {يوسف: 88} وَالْخَبَرُ أُرِيدَ بِهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ، لِأَنَّ الطَّلَبَ كَانَ لَهَا، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ تَعُودُ إلَى الْمَعْهُودِ، وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَقُلْت لَهُ: أَتَشْرَبُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْوَصَايَا لِلْفُقَرَاءِ، وَمِنْ النُّذُورِ، لِأَنَّهُمَا تَطَوُّعٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَّى لَهُمْ. انتهى.
والله أعلم.