الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن وقف المصحف ليقرأ فيه الناس، لا ريب أنه من العمل الصالح، ومن فعل الخير، وكذلك الشأن في كتب العلم الشرعي النافعة، سواء كان ذلك في المشاعر أم في غيرها من الأماكن، فإن من القواعد المقررة في الشرع أن الإعانة على الخير، والدلالة عليه من أبواب الأجر والثواب، ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {يس: 12}.
قال السعدي: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ـ من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها، وباشروها في حال حياتهم: وَآثَارَهُمْ ـ وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم، وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم، وأفعالهم، وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد، وتعليمه، ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرًا، من صلاة، أو زكاة، أو صدقة، أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدًا، أو محلًّا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر؛ ولهذا: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا الموضع يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه, والهداية إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك. اهـ.
وكذلك ما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دل على خير فله مثل أجر فاعله. أخرجه مسلم.
قال المباركفوري: من دل ـ أي بالقول، أو الفعل، أو الإشارة، أو الكتابة: على خير ـ أي علم، أو عمل مما فيه أجر وثواب: فله ـ أي فللدال: مثل أجر فاعله ـ أي من غير أن ينقص من أجره شيء، قاله القاري.
وقال المناوي: فله مثل أجر فاعله ـ أي لإعانته عليه، وهذا إذا حصل ذلك الخير، وإلا فله ثواب دلالته. اهـ.
وجاء في خصوص المصحف: ما أخرجه ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مما يلحق المؤمن من عمله، وحسناته بعد موته علمًا علمه، ونشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته. وحسنه الألباني.
وقد سبق أن بينا صحة وقف المصحف، كما في الفتوى رقم: 201121.
والله أعلم.