الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالتسبيح وغيره من كلمات الذكر، ألفاظ شرعية محترمة، لا يجوز التلفظ بها على سبيل الاستهزاء، ولا استعمالها على وجه يهتك حرمتها، أو يقلل من مكانتها، وإلا فقد يؤدي ذلك إلى نقض التعظيم الواجب لله تعالى، ولشعائر دينه؛ ولذلك يتعين فيها الالتزام بسلامة ألفاظها، والبعد عن اللحن، كما سبق أن نبهنا عليه في الفتوى رقم: 135274.
وهذا يختلف عما إذا كان ذلك بسبب عُجْمَةٍ، أو لُكْنَةٍ في اللسان ـ والكتابة فرع النطق، فقد ينطقها إنسان بالحاء، فيكتبها كذلك ـ ومثل هذا يبعد في حقه معنى الاستهزاء، فإن الحاء والهاء متقاربان مخرجًا، ومتحدان صفة، قال ابن دريد في جمهرة اللغة: أَلا ترى أَنَّهَا فِي كَلَام كثير من النَّاس مغلوط بهَا، حَتَّى تصير الْهَاء حاء، والحاء هَاء.
قَالَ رؤبة:
لله در الغانيات المُدَّهِ ... سبحن واسترجعن من تألهي.
ويروى: المُزَّهِ. أَرَادَ المزح؛ وَمن روى المُدَّهِ أَرَادَ المَدْح.
وَقَالَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر، لرجل ذكر عِنْده رجلًا: أردْت كَيْمَا تذيمه، فمدهته. أَرَادَ: تعيبه، فمدحته. وأنشدنا الأشنانداني، عَن التوزي، عَن أبي عُبَيْدَة لرجل من بني سعد، جاهلي:
حَسبك بعض القَوْل لَا تمدهي ... اهـ.
وقال في موضع آخر: المَدْه مثل المَدْح، سَوَاء مدهتُه بِمَعْنى مدحتُه، قُلبت الْحَاء هَاء، وهم يَفْعَلُونَ ذَلِك كثيرًا ... اهـ.
وقال الدكتور صبحي الصالح في كتابه دراسات في فقه اللغة: والحاء أبدلوها خاء، وهاء، وكافًا على تقارب، وأبدلوها عينًا على تجانس، ولامًا على تباعد ...
فمن التقارب بين الحاء والخاء: الطحرور، والطخرور للسحابة، واطمحرّ، واطمخرّ: امتلأ، وروي.
وبين الحاء، والهاء: مدحت الرجل، ومدهته. قال النعمان بن المنذر لرجل ذكر عنده رجلًا: "أردت كيما تذيمه، فمدهته" أي: تعيبه، فمدحته. اهـ.
والله أعلم.