مدى مسؤولية الزوج في انتقال عدوى الإيدز لزوجته
4-6-2003 | إسلام ويب
السؤال:
بكل أسف لي قريب أصيب بمرض الأيدز بعد ارتكابه لفاحشة الزنا وهو متزوج وله رضيع فانتقل المرض إلى زوجته والرضيع الآن هو في وضع صعب للغاية ويحتاج إلى مساعدة هل لكم أن تساعدوني حتى أستطيع أن أساعده وهو دائما يسأل الأسئلة التالية:
إني تبت إلى الله فهل يغفر لي الله؟ وهل إصابة الزوجة والرضيع بالمرض القاتل تعتبر في حكم القتل غير العمد؟ وإذا كان كذلك هل عليه كفارة القتل غير العمد؟ وإذا كانت كفارة القتل واجبة متى يؤديها بعد وفاتهما أم قبل مع أنه قد يموت قبلهما؟ وهل ما أصابه هو قضاء وقدر خاصة إذا أخذنا في الاعتبار إصابة الزوجة والرضيع بالمرض وبدون أي ذنب لهما في ذلك.
أفيدوني أثابكم الله.
الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على هذا الأخ أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، ويندم على ما فات، ويعقد النية على ألا يعود في ما بقي من عمره، ويكثر من أعمال الخير والطاعات.
فإذا فعل ذلك، فليبشر بخير، فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه في وصف عباده: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70].
وليتأكد هذا الأخ أن من تاب إلى الله تعالى تاب عليه، وبدل سيئاته حسنات كما مَرّ في الآية الكريمة.
ومهما كان عظم الذنب، فإن الله تعالى يغفره لمن أخلص التوبة، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
وبخصوص إصابة الزوجة بالمرض، فإن كان قد انتقل منه إليها عن طريق المعاشرة الزوجية، وهو لا يعلم أنه مصاب، أو أن الفيروس الذي يحمل خامل لا ينتقل، فنرجو أن لا يكون عليه إثم إن شاء الله تعالى، لأن الله تعالى يقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:5].
أما إذا كان يعلم أنه مصاب، وأقدم على معاشرة زوجته بدون علمها، فإن هذا لا يجوز، وعليه التوبة والاستغفار من ذلك، وطلب السماح من زوجته التي أدخل عليها هذا الضرر الخطير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار رواه مالك في الموطأ.
وهذا الحديث أصل من أصول الشرع، وبناء عليه قال العلماء: يمنع صاحب البرص والجذام والجنون من الدخول بزوجته، لما يخشى عليها من ضرره، نص عليه ابن عاصم المالكي في تحفة الحكام.
بل قال القاضي عياض: يمنع الإمام العائن (وهو الذي يضر الناس بعينه) من مخالطة الناس ويأمره بلزوم بيته، ويرزقه من بيت المال إن كان فقيراً، فضرره أشد من ضرر آكل الثوم والبصل والمجذوم الذي منعه عمر رضي الله عنه من مخالطة الناس. ذكره النووي وغيره.
كل ذلك لحماية المسلم ودفع الضرر عن المجتمع فلا يجوز للمسلم أن يتسبب في أذية أخيه وضرره، وقد اختلف أهل العلم في تضمين من أتلف شيئاً بإصابة عينه، فنقل العراقي الشافعي في طرح التثريب عن القرطبي المالكي في شرح مسلم أنه قال: إذا أتلف شيئاً بإصابة عينه ضمنه، وإذا قتل قتيلاً ضمنه بالقصاص أو الدية.
ثم قال العراقي: وظاهر جزمه بذلك أنه مذهبه فلينظر... ثم قال: والذي ذكره أصحابنا أنه لا قصاص عليه ولا دية ولا كفارة. نقل ذلك عن النووي في الروضة من طرح التثريب بتصرف يسير.
وأما القتل بالعدوى، وانتقال المرض من شخص إلى آخر، فيكون سبباً في موته أو تلاف عضو منه، فلم نقف في ما اطلعنا عليه من كلام أهل العلم في هذا الموضوع على من قال بأنه يضمن.
وقال الحافظ في الفتح: قيل معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى النهي عن الاعتداء، ولعل بعض من أجلب عليه إبلاً جرباء أراد تضمينه، فاحتج عليه في إسقاط الضمان بأنه إنما أصابها ما قدر عليها وما لم تكن تنجو منه.
والحاصل أن هذا الأخ لا كفارة عليه ولا ضمان -إن شاء الله تعالى- بسبب انتقال المرض منه إلى زوجته وولده، ولكنه إذا كان متعمداً لإدخال الضرر على غيره، فإنه يأثم لذلك، وعليه التوبة والاستغفار لله تعالى، وطلب السماح ممن تسبب في ضرره.
نسأل الله تعالى أن يشفي مرضى المسلمين، ويحفظهم من كل مكروه.
والله أعلم.