الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك التوفيق، والمعافاة من الوساوس، وليس عندنا ما يمكن أن نجزم به في تفسير طبيعة الوساوس التي تعتريك. والذي نوصيك به هو ما نوصي به في شأن الوساوس عموما، والوصية هي: الإعراض عن الوساوس جملة، والكف عن التشاغلِ بها، وقطع الاسترسالِ معها، والتعوذ بالله منها، والضراعة إلى الله بالعافية منها.
وقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة هل له دواء؟
فأجاب: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية. وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك، لم يثبت بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون, وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها؛ فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم, كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها، وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته، وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله، ولينته.
فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته. واعلم أن من حرمه، فقد حرم الخير كله; لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا, واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة، ونكد العيش وظلمة النفس، وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر، وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني, وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأنه يقاتله, فيكون له ثواب المجاهد; لأنه يحارب عدو الله, فإذا استشعر ذلك فر عنه, وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان، وسلطه الله عليه محنة له; ليحق الله الحق، ويبطل الباطل ولو كره الكافرون. وفي مسلم من طريق عثمان بن أبي العاص، أنه قال: حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي فقال: ذلك شيطان يقال له خنزب, فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا, ففعلت، فأذهبه الله عني. اهـ. باختصار من الفتاوى الفقهية الكبرى.
والله أعلم.