الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لمرضاته، وأن يجنبك ما يكرهه سبحانه، ولا يخفى أن تناول ما يسمى بالنشوق، أو الشمة محرم شرعًا، وأنت إذا تركت تناول تلك المادة المحرمة ابتغاء مرضاة الله، تنال بذلك الأجر بمشيئة الله، جاء في فتح القوي المتين في شرح الأربعين لعبد المحسن العباد: واعلم أن تارك السيئة الذي لا يعملها، على ثلاثة أقسام:
تارة يتركها لله، فهذا تكتب له حسنة على كفه عنها لله تعالى، وهذا عمل ونية؛ ولهذا جاء أنه يكتب له حسنة، كما جاء في بعض ألفاظ الصحيح: "فإنه تركها من جرائي"، أي: من أجلي.
وتارة يتركها نسيانًا، وذهولًا عنها، فهذا لا له، ولا عليه؛ لأنه لم ينو خيرًا، ولا فعل شرًّا.
وتارة يتركها عجزًا، وكسلًا عنها بعد السعي في أسبابها، والتلبس بما يقرب منها، فهذا بمنزلة فاعلها، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه". اهـ.
وما يصيبك من نصب، وتعب جراء تركك لتلك المادة ابتغاء رضوان الله، فإنه يرجى أن تثاب عليه؛ لأن وقوع تلك المعاناة وإن كان بغير اختيار تام، إلا أنه متولد عن فعل أريد به وجه الله، وما كان كذلك فإن الله بفضله يثيب العبد عليه، قال ابن تيمية: وإن كان صاحب المصائب يثاب على صبره ورضاه، وتكفر عنه الذنوب بمصائبه، فإن هذا أصيب، وأوذي باختياره طاعة لله، يثاب على نفس المصائب، ويكتب له بها عمل صالح، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، بخلاف المصائب التي تجري بلا اختيار العبد، كالمرض، وموت العزيز عليه، وأخذ اللصوص ماله؛ فإن تلك إنما يثاب على الصبر عليها، لا على نفس ما يحدث من المصيبة؛ لكن المصيبة يكفر بها خطاياه، فإن الثواب إنما يكون على الأعمال الاختيارية، وما يتولد عنها. اهـ.
وقال ابن تيمية أيضًا: إن كان في الأعمال الصالحة ما هو على خلاف هوى النفس، والله سبحانه يأجر العبد على الأعمال المأمور بها مع المشقة، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} الآية، وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة: {أجرك على قدر نصبك}. اهـ.
واعلم أن الله عز وجل أكرم من أن يرد تائبًا صادقًا، فالله عز وجل من أسمائه التواب، وهو يحب التائبين، ويفرح بتوبة عبده إليه، والعبد إذا تاب فإن الله يغفر له ذنبه مهما كان عظيمًا، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، بل إن الله -بفضله وكرمه- يبدل سيئات التائبين حسنات، كما قال سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}
فإذا تبت مما سلف منك، فإن الله يغفر لك ما جنيت، وقد جاء في الحديث: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له. أخرجه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
وراجع للفائدة، الفتوى رقم: 218656.
والله أعلم.