الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فيتبين الفرق بين عمل المحقق، والمخرِّج في كتب الحديث، وغيرها من كتب التراث، بمعرفة التحقيق، والتخريج.
فأما التحقيق فقد بيّنه الشيخ العلامة عبد السلام هارون -رحمه الله- في كتابه: (تحقيق النصوص ونشرها)
حيث قال: التحقيق: هذا هو الاصطلاح المعاصر الذي يقصد به بذل عناية خاصة بالمخطوطات، حتى يمكن التثبت من استيفائها لشرائط معينة.
فالكتاب المحقق هو الذي صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه.
وعلى ذلك فإن الجهود التي تبذل في كل مخطوط، يجب أن تتناول البحث في الزوايا التالية:
1- تحقيق عنوان الكتاب.
2- تحقيق اسم المؤلف.
3- تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
4- تحقيق متن الكتاب، حتى يظهر بقدر الإمكان مقاربا لنص مؤلفه.
وبديهي أن وجود نسخة المؤلف -وهو أمر نادر، ولا سيما في كتب القرون الأربعة الأولى- لا يحوجنا إلى مجهود، إلا بالقدر الذي نتمكن به من حسن قراءة النص. نظرًا إلى ما قد يوجد في الخط القديم من إهمال النقط والإعجام، ومن إشارات كتابية لا يستطاع فهمها إلا بطول الممارسة والإلف. وهذا الأمر يتطلب عالما في الفن الذي وضع فيه الكتاب، متمرسا بخطوط القدماء. انتهى.
وأما التخريج فله عدة معان، والمقصود به في عرف المتأخرين ما جاء بيانه في كتاب (أصول التخريج ودراسة الأسانيد) لمحمود الطحان -رحمه الله- حيث قال: التخريج: هو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية، التي أخرجته بسنده، ثم بيان مرتبته عند الحاجة. انتهى.
ولا يعني هذا أن المحقق ليس من عمله التخريج، بل إن أمكنه تخريج الأحاديث، فهو أكمل.
وفي هذا يقول الشيخ عبد السلام هارون في كتابه السابق: وأما النصوص الحديثية فإنها يجب أن تختبر بعرضها على مراجع الحديث؛ لقراءة نصها، وتخريجها إن أمكن التخريج. وتعدد روايات الحديث، يدفعنا إلى أن نحمل المؤلف أمانة روايته، فنبقيها كما كتبها المؤلف، إذا وصلنا إلى يقين بأنه كتبها كذلك، ولندع للتعليق ما يدل على ضعف روايته، أو قوتها. وهذا أيضا هو واجب المحقق إزاء كل نص من النصوص المضمنة، من الأمثال، والأشعار ونحوها، يجب أن يتجه إلى مراجعتها ليستعين بها في قراءة النص، وتخريجه إن أمكن التخريج. ومع ذلك يجب أن نحترم رواية المؤلف. انتهى.
وأما ما هو عمل محقق كتاب "هداية الرواة" لابن حجر، فقد بيّن المحقق علي الحلبي عمله في مقدمة الكتاب؛ فراجعها لتتبين عمله، ولتعلم أنه لم يغير أحكام الشيخ الألباني -رحمه الله- على الأحاديث، بل قد ميّز تعليقاته بحرف (ع) كما ذكر ذلك في مقدمته.
وهكذا في كل كتاب ينبغي الرجوع لمقدمته، حتى يتبين للقارئ عمل المحقق، والمخرج، سواء كان المحقق، والمخرج واحدا، أو أكثر، فإن المقدمة مما وضعت له بيان منهج المؤلف، أو المحقق، أو المخرج.
والله أعلم.