الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دام الشهود لم يمتنعوا عن أداء شهادتهم عند القاضي، فليسوا بكاتمين للشهادة، وذلك لأن الشهادة بينة من البينات الشرعية، ولا تكون ملزمة، ويترتب عليها أثرها، إلا إذا كانت في مجلس القضاء.
قال المَرْغِيناني في (الهداية): الشهادة غير موجبة بنفسها، وإنما تصير موجبة بالنقل إلى مجلس القضاء. اهـ.
لكن إذا كان رفضهم لكتابة شهادتهم، يؤدي إلى ضياع الحق، فيجب عليهم الإجابة إلى كتابتها.
جاء في البحر الرائق، شرح كنز الدقائق: التحمل كالأداء، فيلزم عند خوف الضياع. وفي البزازية: لا بأس للرجل أن يتحرز عن قبول الشهادة وتحملها، طلب منه أن يكتب شهادته، أو يشهد على عقد، أو طلب منه الأداء، إن كان يجد غيره، فله الامتناع، وإلا لا. اهـ.
ولأن مقتضى وجوب الشهادة، حفظ حق صاحب الحق من الضياع، مع القدرة على ذلك، وإن كان بعض العلماء لا يرى وجوب كتابة الشهادة؛ لأنه زائد على الإدلاء بها.
ولذا جاء في (تحرير الكلام في مسائل الالتزام) للحطاب المالكي: الواجب عليهم أداء الشهادة إذا طلبها منهم، لا أن يكتبوا له بها عقداً. اهـ.
لكن لو تعين كتابتها لحفظ العقد، فلا يبعد الوجوب، كما جاء في البزازية. وبناء على هذا القول، فينظر: هل رفض الكتابة يترتب عليه ضياع الحق، فيلزمهم كتابة شهادتهم، أم لا يترتب عليه ذلك، فلا يلزمهم أن يكتبوا .
والله أعلم.