الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن أهم ما ينبغي أن يكون محل النظر من الخاطب دينه، وخلقه؛ للحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خطب إليكم من ترضون دينه، وخلقه فزوجوه.
فلا يرد لأي اعتبارات مادية، أو اجتماعية، ونحو ذلك، وليس من حق الأب، أو غيره من الأولياء منع المرأة من نكاح كفئها لغير سبب مقبول، فمن فعل فهو عاضل وآثم، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الأصل أن عضل الولي من له ولاية تزويجها من كفئها حرام؛ لأنه ظلم، وإضرار بالمرأة في منعها حقها في التزويج بمن ترضاه؛ وذلك لنهي الله سبحانه وتعالى عنه في قوله مخاطبًا الأولياء: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن.
ولكن من المعلوم أن الغالب في الأب الشفقة على ابنته، وحرصه على ما فيه مصلحتها، ومن هنا ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يحكم عليه بالعضل لأول وهلة، ففي حاشية الدسوقي المالكي: قوله: ولا يعضل أب ـ أي لا يعد الأب المجبر عاضلًا لمجبرته برده لكفئها ردًّا متكررًا؛ وذلك لما جبل عليه الأب من الحنان، والشفقة على بنته، ولجهلها بمصالح نفسها، فربما علم الأب من حالها، أو من حال الخاطب ما لا يوافق، فلا يعد عاضلًا بما ذكر حتى يتحقق عضله، وفي البدر القرافي عن ابن حبيب منع مالك بناته، وقد رغب فيهن خيار الرجال، وفعله العلماء قبله، وبعده، وحاشاهم أن يقصدوا به الضرر. اهـ.
فالذي ننصح به أن يستمر العقلاء في الحوار مع أبيك، وأن يلتمسوا سبب رفضه، فربما اطلع على ما لم يطلع عليه الآخرون، فإن تبين أنه ليس هنالك مسوغ شرعي لرفضه، فيمكن رفع الأمر إلى القاضي الشرعي لينظر في الأمر، فإن ثبت عنده العضل أمر أباك بتزويجك، وإذا رفض زوّجك القاضي نفسه، أو وكل من يزوجك. ولا تنسي أن تكثري من التوجه إلى الله، والتضرع إليه بالدعاء أن ييسر أمرك، ويفرج كربك.
وننبهك إلى أن هذا الرجل أجنبي عنك، فلا حق لك في التواصل معه حتى يعقد لك عليه العقد الشرعي، فتصيرين زوجة له، فإن لم يتيسر الزواج فاقطعي كل علاقة لك به، وابحثي عن غيره من صالحي الرجال، وهم كثر -ولله الحمد-، ولا تعلقي مصير زواجك به، وربما يحب المرء ما ليس له فيه الخير، قال الله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
ولمزيد الفائدة انظري الفتاوى التالية أرقامها: 30003، 4220، 138279، 108281.
والله أعلم.