الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الكلمة القبيحة فيها سب لله ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ وسب الله عز وجل هو أغلظ أنواع الكفر، وهو من نواقض الإسلام الموجبة للمروق منه بالكلية باتفاق المسلمين، جاء في الصارم المسلول لابن تيمية: قال الإمام إسحاق بن راهويه أحد الأئمة الأعلام: أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله. اهـ.
وفيه: فصل: فيمن سب الله تعالى، فإن كان مسلما وجب قتله بالإجماع، لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له. اهـ.
وأما قضية تعود اللسان وتأثيرها على المؤاخذة بما يتلفظ به المرء من كلام الكفر، فنقول: العبرة إنما هي بقصد التلفظ بالكلام، فمتى قصد الشخص التلفظ فهو مؤاخذ، ومتى جرى الكلام على لسان المرء دون أن يقصد التلفظ به فهو غير مؤاخذ به، فقد سئل ابن عثيمين: إذا صدر من المسلم سب للدين ليس عامدا بل سبق لسان ومن قبيل ما يسمى باللغو فهل يؤاخذ على ذلك أم يدخل تحت قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من سب دين الإسلام فهو كافر، سواء كان جادا أو مازحا، أما شيء سبق على لسانه بأن كان يريد أن يمدح الدين فقال كلمة سب بدون قصد بل سبقا على اللسان، فهذا لا يكفر، لأنه ما قصد السب، بخلاف الذي يقصده وهو يمزح، فإن هنا قصدا وقع في قلبه فصار له حكم الجاد، أما هذا الذي ما قصد ولكن سبق على اللسان، فإن هذا لا يضر، ولهذا ثبت في الصحيح في قصة: الرجل الذي كان في فلاة فأضاع راحلته وعليها طعامه وشرابه فلم يجدها، ثم نام تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بناقته على رأسه، فأخذ بزمامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح ـ فلم يؤاخذ، لأن هذا القول الذي صدر منه غير مقصود له، بل سبق على لسانه فأخطأ من شدة الفرح، فمثل هذا لا يضر الإنسان، لا يضر الإنسان لأنه ما قصده، فيجب أن نعرف الفرق بين قصد الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قصد السب وعدم قصده، لأن هنا ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجاد، كما يصنع أعداء الإسلام بسب الإسلام.
الثاني: أن يقصد الكلام دون السب، بمعنى يقصد ما يدل على السب لكنه مازح غير جاد، فهذا حكمه كالأول: يكون كافرا لأنه استهزاء وسخرية.
المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السب، وإنما يسبق لسانه فيتكلم بما يدل على السب دون قصد إطلاقا، لا قصد الكلام ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به وعليه يتنزل قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم. اهـ. باختصار.
وانظر الفتوى رقم: 101367.
وأما مجرد تعود اللسان على النطق بكلمة ما: فليس مناطا للعذر، وعدم المؤاخذة بها، قال ابن باز: إذا جرى على لسانه الحلف بغير الله كعادة جرت عليها جماعته وأهله وبلاده، أو جرى عليها سابقا هو واعتادها سابقا، ولم يقصد أنه معظم كعظمة الله، أو أنه يتصرف في الكون، أو أنه يصلح أن يعبد من دون الله، لم يعتقد هذا الاعتقاد، ولكن جرى على لسانه الحلف بغير الله كعادة كثير من الناس، فهذا من الشرك الأصغر. اهـ.
وقد سئل ابن باز: هناك من يتلفظ بألفاظ فيها الاستعانة بالجن، والدعاء أو الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، عندما ينبه يقول اعتاد عليها لساني، فما الحكم في ذلك؟ الواجب عليه أن يحفظ لسانه عما حرم الله من فعل الكلام الرديء، لا من دعائه للجن ولا من الحلف بغير الله، ولا بغير هذا من سائر الكلام المنكر، وليس له عذر بقوله اعتاد لسانه، بل يحذر ويحفظ لسانه عما حرم الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ـ والله يقول في كتابه العظيم: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. اهـ.
فنوصيك بالتوبة إلى الله جل وعلا على كل حال، وأن تجتهد في تطهير لسانك وصيانتك، وأن تستشعر شدة خطر ما تتفوه به، وأنه قد يخرجك من دائرة الإسلام بالكلية، فالحذر الحذر، وانظر الفتوى رقم: 96419.
ولا يخفى كذلك أن لعن المسلم المعين محرم، كما سبق في الفتوى رقم: 291886.
والله أعلم.