الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: أحبك الله الذي أحببتنا فيه.
وأما عن السؤال: فقد ذهب الشيخ ابن عثيمين -كما ذكرت- إلى أن الاستماع لقراءة القارئ خارج الصلاة مستحبة لا تجب، فقد قال -رحمه الله تعالى-: بالنسبة للاستماع إليه، فلا يجب الاستماع إليه، ولا إلى القارئ مباشرة، قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الأعراف :204} قال: أجمعوا على أن هذا في الصلاة، يعني: إذا كان المأموم خلف الإمام, أما الإنسان يقرأ إلى جنبك وأنت مشغول بذكرك الخاص، فإنه لا يجب عليك الإنصات... اهـ. وهو في هذا موافق لرأي الجمهور.
وأما قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ـ فهذه قاعدة صحيحة لا إشكال فيها، ولكن تنزيلها على هذه الآية مع أنها نزلت في الصلاة، فهذا لا يُسَلَّمُ به، وذلك أن القاعدة إنما يكون إعمالها صحيحًا إذا لم يترتب على ذلك تعارض مع نصوص أخرى، فإن حصل التعارض عند حملنا للنص على العموم مع نصوص أخرى حمل النص الشرعي حينئذ على خصوص السبب الذي نزل فيه لا على عموم اللفظ دفعًا للتعارض، وقد أجاب عن الاستدلال بتلك القاعدة صاحب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، حيث قال -رحمه الله تعالى-: لا شك في أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، لكن قد تقرر أيضًا في مقره أن اللفظ لو يحمل على عمومه يلزم التعارض والتناقض، ولو يحمل على خصوص السبب يندفع التعارض، فحينئذٍ يحمل على خصوص السبب، قال ابن الهمام في فتح القدير: قوله صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصيام في السفر، محمول على أنهم استضروا به، بدليل ما ورد في صحيح مسلم في لفظ: إن الناس قد شق عليهم الصوم، والعبرة وإن كان لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، لكن يحمل عليه دفعًا للمعارضة بين الأحاديث، إلخ، فإذا عرفت هذا، فاعلم أنه لو يحمل قوله: وإذا قرئ القرآن ـ على عمومه لزم التعارض والتناقض بينه وبين قوله تعالى: فاقرءوا ما تيسر من القرآن {73: 20} وأحاديث القراءة خلف الإمام، ولو يحمل على خصوص السبب يندفع التعارض، فحينئذٍ يحمل على خصوص السبب. اهــ.
والله أعلم.