الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في كون الاجتماع على المعاصي من أسباب العداوة والبغضاء في الدنيا والآخرة، فمن اجتمعا على معصية وتحابا عليها ولم يتوبا منها، فإنّ محبتهما تنقلب إلى عداوة، لكنّ هذا ليس على إطلاقه، وإنما هو في الغالب، فقد تدوم محبتهما في الدنيا، لكنها تنقلب في الآخرة إلى عداوة، قال ابن القيم رحمه الله: وأهل المعاصي والفسوق وإن كان بينهم نوع مودة وتحاب، فإنها تنقلب عدواة وبغضا، وفي الغالب يتعجل لهم ذلك في الدنيا قبل الآخرة، أما في الآخرة فالأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.
ودوام محبة المجتمعين على المعاصي في الدنيا مرهون بحصول أغراضهم و شهواتهم، فإذا انقطعت الأغراض وذهبت الشهوات زالت المحبة وانقلبت إلى عداوة، قال ابن القيم رحمه الله: وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مُشْتَرِكِينَ فِي غَرَضٍ، يَتَوَادُّونَ مَا دَامُوا مُتَسَاعِدِينَ عَلَى حُصُولِهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ الْغَرَضُ، أَعْقَبَ نَدَامَةً وَحُزْنًا وَأَلَمًا، وَانْقَلَبَتْ تِلْكَ الْمَوَدَّةُ بُغْضًا وَلَعْنَةً، وَذَمًّا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، لَمَّا انْقَلَبَ ذَلِكَ الْغَرَضُ حُزْنًا وَعَذَابًا، كَمَا يُشَاهَدُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي خِزْيِهِ، إِذَا أُخِذُوا وَعُوقِبُوا، فَكُلُّ مُتَسَاعِدِينَ عَلَى بَاطِلٍ، مُتَوَادِّينَ عَلَيْهِ لَابُدَّ أَنْ تَنْقَلِبَ مَوَدَّتُهُمَا بُغْضًا وَعَدَاوَةً.
والله أعلم.