الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في تفسير الآية مع اتفاقهم على أن ما يوهمه ظاهرها من أن الإحسان بالوالدين وعدم الشرك حرام غير مراد ـ كما هو ضروري، ـ قال في زاد المسير عند تفسير الآية: ما بمعنى الذي، وفي: لا ـ قولان:
أحدهما: أنها زائدة كقوله: أن لا تسجد.
والثاني: أنها ليست زائدة، وإنما هي نافية، فعلى هذا القول في تقدير الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يكون قوله: أن لا تشركوا ـ محمولا على المعنى، فتقديره: أتل عليكم أن لا تشركوا: أي أتل تحريم الشرك.
والثاني: أن يكون المعنى أوصيكم أن لا تشركوا، لأن قوله: وبالوالدين إحسانا ـ محمول على معنى أوصيكم بالوالدين إحسانا، ذكرهما الزجاج.
والثالث: أن الكلام تم عند قوله: حرم ربكم ـ ثم في قوله: عليكم ـ قولان:
أحدهما: أنها إغراء، كقوله: عليكم أنفسكم ـ فالتقدير عليكم أن لا تشركوا، ذكره ابن الانباري.
والثاني: أن يكون بمعنى فرض عليكم ووجب عليكم أن لا تشركوا...
وقال الشنقيطي في كتابه: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ـ بعد أن ذكر أن في الآية أقوالا كثيرة وبحوثا عديدة: وأقرب تلك الوجوه عندنا هو ما دل عليه القرآن، لأن خير ما يفسر به القرآن القرآن, وذلك هو أن قوله تعالى: أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ـ مضمن معنى ما وصاكم ربكم تركا وفعلا, وإنما قلنا إن القرآن دل على هذا، لأن الله رفع هذا الإشكال وبين مراده بقوله: ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ـ فيكون المعنى: وصاكم ألا تشركوا، ونظيره من كلام العرب قول الراجز: حج وأوصى بسليمى إلا عبدا أن لا ترى ولا تكلم أحدا.
والله أعلم.