الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكلام أهل العلم يقتضي أن في الجائفة ثلث الدية بكل حال، وأنه لا يعتبر المعنى الذي أشرت إليه من الإضرار بالأعضاء الداخلية، ونحو ذلك، وهذا هو ظاهر الحديث، وما يقتضيه كلام أهل العلم، قال ابن قدامة -رحمه الله-: مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ)، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، إلَّا مَكْحُولًا، قَالَ فِيهَا: فِي الْعَمْدِ ثُلُثَا الدِّيَةِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ». وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَلِأَنَّهَا جِرَاحَةٌ فِيهَا مُقَدَّرٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَدْرُ أَرْشِهَا بِالْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، كَالْمُوضِحَةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي جِرَاحِ الْبَدَنِ الْخَالِيَةِ عَنْ قَطْعِ الْأَعْضَاءِ، وَكَسْرِ الْعِظَامِ مُقَدَّرًا غَيْرَ الْجَائِفَةِ، وَالْجَائِفَةُ: مَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مِنْ بَطْنٍ، أَوْ ظَهْرٍ، أَوْ صَدْرٍ، أَوْ ثُغْرَةِ نَحْرٍ، أَوْ وَرِكٍ، أَوْ غَيْرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَنَّ مَالِكًا، وَأَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ، وَالْبَتِّيَّ، وَأَصْحَابَهُمْ، اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَائِفَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْجَوْفِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْجَائِفَةُ مَا أَفْضَى إلَى الْجَوْفِ، وَلَوْ بِمَغْرِزِ إبْرَةٍ. انتهى.
وثم تفصيلات كثيرة متعلقة بهذه المسألة، يمكن مراجعتها في المطولات، بيد أن المعنى الذي ذكرته، لم نجد من نص على اعتباره من أهل العلم.
والله أعلم.