الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نفي الجواز عن الشيء يقتضي تحريمه، وهو ما يقصده العلماء في الغالب، وقد يعبّر بعضهم بعدم الجواز عن المكروه الذي يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، وقصدهم عدم استواء طرفي الفعل والترك، ومثاله ما جاء في شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي: غَيْرُ جَائِزٍ أَيْ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ، إذْ فِعْلُهُمَا حِينَئِذٍ مَكْرُوهٌ لَا مَمْنُوعٌ. انتهى.
وقد يعبر به عن عدم الصحة أو عدم الإجزاء.. كما في قول بعضهم: لا يجوز المسح على غير الخف: أي لا يصح، ولا يجوز دفع القيمة في الزكاة.. أي لا يجزئ، وانظر الفتويين رقم: 71141، ورقم: 113717.
فعدم الجواز معناه عدم استواء طرفي الفعل والترك، فيشمل الحرام والمكروه وعدم الإجزاء وعدم الصحة في عبارة بعض العلماء، ولكن استعماله في الحرام هو الأصل والأكثر، كما جاء في حديث طويل مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن حبان في صحيحه، وجاء فيه.. قَالَ رجل: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَةِ بَنِي فُلَانٍ، وَإِنَّهَا وَلَدَتْ لِي فَأْمُرْ بِوَلَدِي فَلْيُرَدَّ إِلَيَّ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ بِوَلَدِكَ، لَا يَجُوزُ هَذَا فِي الْإِسْلَامِ.. الحديث. قال الألباني: حسن الإسناد.
والجواز معناه ـ كما أشرنا ـ استواء طرفي الفعل والترك، أي تخيير المكلف بين فعل الشيء أو تركه، ويعبر عنه بالإباحة، وهو القسم الخامس من الأحكام الشرعية التكليفية، كما قال ابن عاشر في المرشد المعين:
أَقْسامُ حُكْم الشَرْعِ خَمْسَةٌ تُرَامْ * فرْضٌ وَنَدْبٌ وَكَرَاهَةٌ حَرَامْ
ثُمَّ إبَاحَةٌ فَمَأمُورٌ جُزِمْ * فَرْضٌ وَدُوَنَ الْجَزْمِ مَنْدُوبٌ وُسِمْ
ذُو النَّهْيِ مَكْرُوهٌ وَمَعَ خَتْمٍ حَرامْ * مَأذُونُ وَجْهِيْهِ مُباحٌ ذا تَمَامْ.
والحاصل: أن نفي الجواز يعني عدم تخيير المكلف بين فعل الشيء وتركه، وهو الحرام بالدرجة الأولى، وقد يطلق على غيره من المكروه وغير الصحيح وغير المجزئ، وهذه المعاني هي ما نقصد عند الحكم على مسألة.
والله أعلم.