الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عد التسبيح في صلاة النفل مختلف في جوازه وكراهته، فقد نص بعض الحنفية على كراهته، وروي عن الإمام أحمد التوقف فيه، وجزم ابن قدامة في المغني، والبهوتي في الكشاف بترجيح جوازه، فقد جاء في الهداية: ويكره عد الآي والتسبيحات باليد في الصلاة.
قال الشارح محمد البابرتي: وقوله: ويكره عد الآي والتسبيحات في الصلاة ـ أطلق الصلاة إشارة إلى أن العد مكروه في الفرائض والنوافل جميعا... وكلام المصنف يدل على أن الخلاف بينهم في الفرائض والنوافل جميعا، وقيل الخلاف في المكتوبة، وأما النوافل فلا خلاف في أنه لا يكره، وقيل الخلاف في النوافل ولا خلاف في المكتوبة أنه يكره، لهما أن المصلي قد يحتاج إلى ذلك عملا بما هو السنة وهي أربعون آية أو ستون آية في الفرائض، وعملا بما جاءت به السنة في صلاة التسبيح في تسبيحاتها عشرا عشرا، فلا بأس بالعد حينئذ، ولأبي حنيفة أنه يمكنه أن يفعل ذلك قبل الشروع في الصلاة، وأما في صلاة التسبيح، فلا ضرورة أيضا إلى العد باليد، لأنه يحصل بغمز رؤوس الأصابع، فيستغني عن العد باليد. اهـ.
وجاء في المغني لابن قدامة: ولا بأس بعد الآي في الصلاة، وتوقف أحمد عن عد التسبيح، قال أبو بكر: لا بأس به، لأنه في معنى عد الآي، وهو قول ابن أبي مليكة، وطاوس، وابن سيرين، والشعبي، والمغيرة بن حكيم، وإسحاق، وكرهه أبو حنيفة، والشافعي، لأنه يشغل عن خشوع الصلاة المأمور به، ولنا: أنه إجماع رواه الأثرم بإسناده عن يحيى بن وثاب، وطاوس، والحسن، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي، والمغيرة بن حكيم، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف، مع أن الظاهر أن ذلك ينتشر ولا يخفى، فيكون، إجماعا، وإنما توقف أحمد عن عد التسبيح، لأن المنقول عمن ذكرناهم عد الآي، قال أحمد أما عد الآي فقد سمعنا، وأما عد التسبيح فما سمعنا، وكان الحسن لا يرى بعد الآي في الصلاة بأسا، وكره أن يحسب في الصلاة شيئا سواه. اهـ.
وفي كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي: وله ـ أي المصلي ـ عد التسبيح بأصابعه، وله عد الآي بأصابعه بلا كراهة فيهما، لما روى أنس قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الآي بأصابعه ـ رواه محمد بن خلف، وعد التسبيح في معنى عد الآي، وتوقف أحمد في عد التسبيح، لأنه يتوالى لقصره، فيتوالى حسابه فيكثر العمل، بخلاف عد الآي كعد تكبيرات العيد وصلاة الاستسقاء فيباح. اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: وصرح الحنفية بكراهة عد الآي والسور، والتسبيح بأصابع اليد أو بسبحة يمسكها في الصلاة مطلقا ولو كانت نفلا، قال ابن عابدين: وهذا باتفاق أصحابنا في ظاهر الرواية، وعن الصاحبين في غير ظاهر الرواية عنهما أنه لا بأس به، وقيل: الخلاف في الفرائض، ولا كراهة في النوافل اتفاقا، وقيل: في النوافل ولا خلاف في الكراهة في الفرائض، والكراهة عندهم تنزيهية وعللوها بأنه ليس من أفعال الصلاةـ 2 ـ وذهب الحنابلة إلى جواز عد الآي والتسبيح بأصابعه من غير كراهة، لما روى أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الآي بأصابعه ـ3 ـ وعد التسبيح في معنى عد الآي. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في الشرح الممتع: وعَدُّ الآيات قد يكون له حاجة، وقد لا يكون له حاجة، فمن الحاجة لعدِّ الآي إذا كان الإنسان لا يعرف الفاتحة، وأراد أن يقرأ بعدد آياتها مِن القرآن، فهو حينئذٍ يحتاج إلى العَدِّ، وإلاَّ فالغالب أنه لا يحتاج إلى عَدِّ الآي، لكن إذا احتاج فله ذلك، ولكن لا يعدُّها باللفظ، لأنه لو عَدَّها باللفظ لكان كلاماً، والكلام مبطلٌ للصَّلاة، لكن يعدُّها بأصابعه، أو يعدُّها بقلبه، ولا تبطل الصَّلاةُ بعمل القلب، ولا تبطل بعمل الجوارح، إلا إذا كَثُر وتوالى لغير ضرورة، وله عَدُّ التسبيح، وهذا قد يحتاج إليه الإنسان، خصوصاً الإمام، لأن الإمام حَدَّدَ الفقهاء ـ رحمهم الله ـ التسبيحَ له بعشر تسبيحات، قالوا: أكثر التسبيح للإمام عشر، وأدنى الكمال ثلاث ، وله عَدُّ الركعات وهذه قد تكون أحوج مما سَبَقَ. اهـ.
وراجع في شأن صلاة التسبيح هاتين الفتويين: 2501، 68015.
والله أعلم.