الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حرمة عمليات التجميل التي لا يطلب منها إلا زيادة الحسن والجمال؛ لما في ذلك من تغيير خلق الله، وأن الجائز هو ما كان منها لإزالة ضرر، أو عيب مشوه للخلقة تشويهًا واضحًا، وذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام الآتية: 1509، 17718 33999 ، 10202 ، 73418 .
فإن كانت الفلجة بين الأسنان مشينة، مشوهة تشويهًا واضحًا، فيشرع التقويم لإزالة ما بها من شين، وإن لم تكن كذلك، فلا، فقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح أنه: يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: المتفلجات للحسن. أن المذموم من ذلك ما كان التماسًا للحسن، فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلًا، جاز. اهـ.
وقال النووي: وأما قوله: (المتفلجات للحسن) فمعناه يفعلن ذلك طلبًا للحسن, وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن, أما لو احتاجت إليه لعلاج، أو عيب في السن، ونحوه، فلا بأس، والله أعلم. اهـ من شرح النووي على صحيح مسلم.
وأما الضابط الذي يعرف به التشوه، فهو: ما كان مشينًا عند الناس، بحيث يستقبحه من يراه، ومن ذلك الفرجة الكبيرة، بخلاف الانفراج اليسير بين الأسنان، فهو يعتبر من مظاهر الجمال؛ ولذا كان بعض النساء يعالجن الأسنان المتراصة طلبًا للتفليج المستحسن عند الناس عادة، فحرم الشرع ذلك، فقد جاء في فتح الباري لابن حجر: قَوْله: (بَاب الْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ) أَيْ: لأَجْلِ الْحُسْن, وَالْمُتَفَلِّجَات جَمْع مُتَفَلِّجَة، وَهِيَ الَّتِي تَطْلُب الْفَلْج، أَوْ تَصْنَعهُ, وَالْفَلْج بِالْفَاءِ وَاللام، وَالْجِيم اِنْفِرَاج مَا بَيْن الثَّنِيَّتَيْنِ, وَالتَّفَلُّج أَنْ يُفْرَج بَيْن الْمُتَلاصِقَيْنِ بِالْمِبْرَدِ، وَنَحْوه, وَهُوَ مُخْتَصّ عَادَة بِالثَّنَايَا وَالرُّبَاعِيَّات, وَيُسْتَحْسَن مِنْ الْمَرْأَة، فَرُبَّمَا صَنَعَتْهُ الْمَرْأَة الَّتِي تَكُون أَسْنَانهَا مُتَلاصِقَة لِتَصِيرَ مُتَفَلِّجَة, وَقَدْ تَفْعَلهُ الْكَبِيرَة تُوهِم أَنَّهَا صَغِيرَة؛ لأَنَّ الصَّغِيرَة غَالِبًا تَكُون مُفَلَّجَة جَدِيدَة السِّنّ, وَيَذْهَب ذَلِكَ فِي الْكِبَر... اهـ.
وقال العلامة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: القاعدة في هذه الأمور أن العملية لإزالة العيب، جائزة، والعملية للتجميل غير جائزة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن المتفلجات في أسنانهن من أجل تجميل السن، ولكنه أذِنَ لأحد الصحابة -رضي الله عنه- لما أصيبت أنفه، وقطع، أن يتخذ أنفًا من ذهب، فالقاعدة: أن ما كان لإزالة عيب، فهو جائز، وما كان لزيادة التجميل، فهو ليس بجائز. فمثلًا: لو كان الأنف أعوج، وأجرى عملية لتعديله، فلا بأس؛ لأن هذا إزالة عيب، أو كانت العين حولاء، فأجرى عملية لتعديلها، فلا بأس؛ لأنه إزالة عيب، فهذا الأنف إذا كان كبره يعتبر عيبًا، فهذا عيب، ولا بأس بإجراء عملية، أما إذا كان فيه كبر، وتصغيره يكون أجمل، فإن هذا يعتبر تجميلًا، فهو كالتفلّج، والتفلج لا يجوز. انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ما حكم عمليات تقويم الأسنان؟
فأجاب بقوله: تقويم الأسنان على نوعين:
النوع الأول: أن يكون المقصود به زيادة التجمل، فهذا حرام، ولا يحل، وقد لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله، هذا مع أن المرأة مطلوب منها أن تتجمل، وهي من يُنشَّأ في الحلية، والرجل من باب أولى، أن ينهى عن ذلك.
النوع الثاني: إذا كان تقويمها لعيب، فلا بأس بذلك فيها، فإن بعض الناس قد يبرز شيء من أسنانه إما الثنايا أو غيرها، تبرز بروزًا مشينًا بحيث يستقبحه من يراه، ففي هذا الحال لا بأس من أن يعدلها الإنسان؛ لأن هذا إزالة عيب، وليس زيادة تجميل، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أمر الرجل الذي قطع أنفه، أن يتخذ أنفًا من ورق -أي: فضة- ثم أنتن، فأمره أن يتخذ أنفًا من ذهب) لأن في هذا إزالة عيب، وليس المقصود زيادة تجمل. انتهى.
والله أعلم.