الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأحسن الله عزاءك في مخطوبتك، وأخلفك خيرًا منها، ونسأل الله لنا ولها المغفرة، والرحمة، وأن يجمع بينكما في الجنة.
وبخصوص سؤالك: فإنّ الزواج نعمة عظيمة، وسنة من سنن المرسلين، فلا ينبغي الإعراض عنه، وقد أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم الشباب، وحثهم عليه، وحذّر من الإعراض عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي، فليس مني، وتزوجوا؛ فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام؛ فإن الصوم له وجاء. رواه ابن ماجه.
وقال الإمام أحمد -رحمه الله- في رواية المروذي: ليست العزوبة من الإسلام. اهـ.
وقال العيني -رحمه الله-: فإن النكاح سنة الأنبياء والمرسلين، وفيه تحصيل نصف الدين، وقد تواترت الأخبار والآثار في توعد من رغب عنه، وتحريض من رغب فيه. اهـ.
علمًا أن من خشي الوقوع في الحرام، وجب عليه الزواج حينئذ، وأثم بتركه مع قدرته عليه، قال البهوتي -رحمه الله- في شرح منتهى الإرادات: وَيَجِبُ النِّكَاحُ بِنَذْرٍ، وَعَلَى مَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ زِنًا، وَقَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ ظَنًّا, مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ، وَصَرْفِهَا عَنْ الْحَرَامِ, وَطَرِيقُهُ النِّكَاحِ.
وإذا رغبت أن تكون تلك المرأة زوجة لك في الجنة، فهذا لا يستلزم ترك الزواج في الدنيا، فإذا سألت الله أن يزوجك إياها في الجنة، فقد يستجاب لك، ولو كنت في الدنيا متزوجًا غيرها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في الفتاوى الكبرى: وَإِذَا أَحَبَّ امْرَأَةً فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا، وَتَصَدَّقَ بِمَهْرِهَا، وَطَلَبَهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ لَهُ زَوْجَةً فِي الْآخِرَةِ، رُجِيَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.
واعلم أن الجنة دار النعيم، وفيها ما تشتهيه الأنفس، والذي ينبغي للعاقل أن يشغل نفسه بما يقربه إلى الله، ويوصله لمرضاته، ودخول جناته.
هذا وننبهك إلى أنّ المطلقة البائن، لا يجوز التصريح بخطبتها، وأمّا الرجعية، فلا يجوز التصريح، ولا التعريض بخطبتها، قال ابن عطية -رحمه الله- في تفسيره: وأجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزويجها، وتنبيه عليه، لا يجوز.
وقال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: ولا يجوز التعريض لخطبة الرجعية إجماعا؛ لأنها كالزوجة.
ثمّ إنّ التعارف بين الرجال والنساء الأجنبيات، ولو كان بغرض الزواج، بابُ شر وفساد، فينبغي الحذر من التهاون في هذا الباب.
وانظر الفتويين التاليتين: 110476 - 1932.
والله أعلم.