الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ما تجده من النشاط في بعض الأحيان، وإقبال النفس على الدعاء والعبادة، وأحيانا من التكاسل والفتور، شيء طبيعي ويعتري أكثر الناس، فالنفس البشرية بطبيعتها لها إقبال وإدبار، فتارة تكون في سُموٍ وإشراق، فيكون عند العبد رغبة في العبادة والدعاء والإقبال على الطاعة، وأحيانًا يقل هذا الإشراق، فيتكاسل ويضعف نشاطه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لكل عمل شِرّة ـ أي حرصا على الشيء، ونشاطا ورغبة في الخير أو الشر ـ ولكل شِرّة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتي، فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك، فقد هلك. رواه الإمام أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط والألباني.
وقال ابن القيم رحمه الله: تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم، رجي له أن يعود خيرا مما كان. اهـ
وقال علي رضي الله عنه: إن النفس لها إقبال وإدبار، فإذا أقبلت فخذها بالعزيمة والعبادة، وإذا أدبرت فأقصرها على الفرائض والواجبات. اهـ
ولذلك ننصحك بالتوسط حال إقبال النفس وإدبارها، وتجنب طرفي الإفراط والتفريط، كما نحثك على علو الهمة في الحفظ، والصبر على التعلم، ومن أهم ما يعينك على مواصلة الحفظ والاستزادة من العلم، مجالسة الصالحين، وصحبة الطلبة المجتهدين الذين رزقهم الله علو الهمة في طلب العلم، فإن صحبتهم نافعة جدا، والصاحب ساحب، والطباع سراقة.
ومما يرفع همتك كذلك قراءة سير العلماء والأئمة المتقدمين، الذين علت همتهم واستخدمهم الله في حفظ دينه، وتبليغ شريعته، فكانت أقدامهم في الثرى، وهممهم في الثريا، ومن الكتب التي اختصت بذكر أخبارهم كتاب نزهة الفضلاء في اختصار سير أعلام النبلاء للدكتور محمد حسن عقيل موسى، وكتاب صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل للشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وكتاب: علو الهمة للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم.
ويمكن أن تسمع القرآن بأصوات القراء المجيدين بتدبر عندما تتعب من التلاوة، وتحاول محاكاتهم، ولو تيسر لك الذهاب لإحدى المدارس الدينية الموثوق بها، والتفرغ للدارسة بها فترة حتى تتقن الحفظ، وتأخذ إجازة في القرآن، فهو طيب.
وسبق أن بينا أسباب الفتور وكيفية علاجه، في جملة من الفتاوى، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 25854، 10800، 1208، 5450، 33860، 136575.327235
والله أعلم.