الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن قصة السيدة مارية، وإسلامها -رضي الله عنها- ذكرها غير واحد من أصحاب السير والتاريخ، وذكروا أنها أسلمت هي وأختها على يد حاطب ابن أبي بلتعة، سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس، عند ما عرض عليهما الإسلام ورغبهما فيه، وذلك قبل الوصول إلى المدينة، ولم نطلع على القصة المذكورة فيما وقفنا عليه من أخبارها.
وممن ذكر قصتها ابن الجوزي في كتابه المنتظم.
قال: بَعَثَ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ مَارِيَةَ، وَأُخْتَهَا سِيرِينَ، وَأَلْفَ مِثْقَالٍ ذَهَبا، وَعِشْرِينَ ثَوْبِاً لَيِّنًا، وَبَغْلَتَهُ الدُّلْدُلَ، وَحِمَارَهُ يَعْفُورَ: وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَمَعُهْم خَصِيٌّ يُقَالُ لَهُ: مَابُورُ..، وَبَعَثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، فَعَرَضَ حَاطِبٌ عَلَى مَارِيَةَ الإِسْلامَ، وَرَغَّبَهَا فِيهِ، فَأَسْلَمَتْ، وَأَسْلَمَتْ أُخْتُهَا، وَأَقَامَ الْخَصِيُّ عَلَى دِينِهِ حَتَّى أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْجَبًا بِأُمِّ إِبْرَاهِيمَ، وكانت بيضاء جميلة، فأنزلها فِي الْعَالِيَةِ، فِي الْمَالِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْيَوْمَ مَشْرَبَةُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهَا هُنَاكَ، وَضَرَبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ، وَكَانَ يَطَؤهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَمَّا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ هُنَاكَ، وَقَبلَتْهَا سَلْمَى مَوْلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ أَبُو رَافِعٍ زَوْجُ سَلْمَى، فَبَشَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْرَاهِيمَ، فَوَهَبَ لَهُ عَبْدًا، وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَتَنَافَسَتِ الأَنْصَارُ فِي إِبْرَاهِيمَ، وَأَحَبُّوا أَنْ يُفْرِغُوا مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ هَوَاهُ فِيهَا. اهـ.
وجاء في ذخيرة العقبى للإثيوبي: كان أبو بكر يُنفق على مارية حتى مات، ثم عمر، حتى توفّيت في خلافته في المحرم سنة ستّ عشرة، فكان عمر يحشُر الناس لشهودها، وصلّى عليها، ودفنها بالبقيع. وقال ابن منده: ماتت مارية -رضي اللَّه تعالى عنها- بعد النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بخمس سنين. قاله في الإصابة. اهـ.
والله أعلم.