الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الاقتراض بالربا من الأمور المحرمة في الشرع، ففي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وقال: هم سواء.
فلا يجوز للمسلم أخذ قرض بالربا لبناء مسكن، أو غير ذلك من الأغراض، إلا عند الضرورة.
وقد انعقد المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، بالقاهرة في شهر المحرم سنة 1385هـ - الموافق مايو 1965م، والذي ضم ممثلين ومندوبين عن خمس وثلاثين دولة إسلامية، وقد قرر المؤتمر بالإجماع أن: الإقراض بالربا، محرَّم، لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة. اهـ.
وحد الضرورة في الشرع: كما قال الزركشي: فالضرورة: بلوغه حدا إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعا أو عريانا لمات، أو تلف منه عضو. اهـ. من المنثور في القواعد الفقهية.
وقال ابن تيمية: وأما الضرورة التي يحصل بعدمها حصول موت، أو مرض، أو العجز عن الواجبات كالضرورة المعتبرة في أكل الميتة. اهـ.
وضابط الضرورة بالنسبة للاقتراض بالربا لبناء المسكن: هو ألا يجد مسكناً يؤويه، ويفي بحاجته، من السكن بطريق مشروع من سكن بإيجار، أو غيره من الطرق المشروعة. وأما إن كان المرء يستطيع تحصيل المسكن بالاستئجار، أو نحوه من الطرق المشروعة، فلا يجوز له الاقتراض بالربا من أجل بناء مسكن، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 127750.
وبعد هذا: فإن مجرد دفع مبلغ لحجز الشقة، وعدم القدرة على استعادته، لا يعد ضرورة تسوغ الإقدام على أخذ قرض ربوي.
فنوصيك بالبعد عن الاقتراض بالربا، واعلمي أن الله لم يجعل معصيته سببا إلى خير قط - كما قال ابن القيم في روضة المحبين-، وثقي ثقة تامة أنك لن تجدي فَقْد شيء تركته لله، فما أعرضت عنه ابتغاء رضوان لله، فسيعوضك خيرا منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله عز وجل، إلا أعطاك الله خيرا منه. أخرجه أحمد، وصححه الألباني.
وراجعي للفائدة حول البدائل الشرعية عن القروض الربوية، لمن أراد السكن، الفتوى رقم: 132156.
والله أعلم.