الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى قولهم: موعدكم بدر من قابل. هو أنهم يتواعدون القتال في العام الموالي بمنطقة بدر التي وقعت بها معركة بدر الكبرى.
وأما عن معنى: قعدوا. فالمراد به قعودهم وجلوسهم حال الركوب على إبلهم أو خيلهم، وقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم إن قعدوا على أثقالهم، وجنبوا خيلهم بأنهم ذاهبون إلى مكة، وأنهم إن قعدوا على الخيل فإنهم يريدون الإغارة على بيوت المسلمين بالمدينة؛ لأن الإبل تركب حال السفر، ولا تركب في وقت القتال غالبا، وأما الخيل فتركب عند الإغارة أو السباق، ولا تركب في السفر غالبا.
قال ابن كثير في التفسير: قال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) قال : [ هذا ] أبو سفيان ، قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : موعدكم بدر ، حيث قتلتم أصحابنا . فقال محمد صلى الله عليه وسلم : " عسى " . فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدرا ، فوافقوا السوق فيها وابتاعوا، فذلك قول الله عز وجل: ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ) قال : وهي غزوة بدر الصغرى . اهـ
وذكر الطبري في التفسير: أن المشركين انصرفوا يوم أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين، فواعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بدرا من قابل فقال: نعم ! نعم ! فتخوف المسلمون أن ينزلوا المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقال : انظر فإن رأيتهم قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم فإن القوم ذاهبون، وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا أثقالهم فإن القوم ينزلون المدينة، فاتقوا الله واصبروا، ووطنهم على القتال، فلما أبصرهم الرسول على الأثقال سراعا عجالا نادى بأعلى صوته بذهابهم، فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فناموا، وبقي أناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتونهم، فقال الله جل وعز يذكر حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم إن كانوا ركبوا الأثقال فإنهم منطلقون فناموا : { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } اهـ
والله أعلم.