الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن الغالب في الوالد الشفقة على أولاده، وحبه لهم، وحرصه على كل ما فيه مصلحتهم، ولذلك من المستغرب مثل هذه التصرفات التي ذكرتها عن والدكم من الهجر، والتبرؤ، وعدم الإنفاق.
والوالد يجب عليه أن ينفق على أولاده بالمعروف، فيجب عليه أن ينفق على البنت حتى تتزوج، وينفق على الذكر حتى يبلغ، كما بينا في الفتوى رقم: 66857. ومن الفقهاء من أوجب عليه نفقة البالغ الفقير، كما هو مبين في الفتوى رقم: 25339.
فامتناع الأب من القيام بما يجب عليه تجاه أولاده، مع قدرته على ذلك، أمر منكر، وموجب للإثم، روى أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالمرء إثما، أن يضيع من يقوت.
ومهما كان الوالد مقصرا، فإن ذلك لا يسقط عن أولاده بره، يدل على ذلك أنه مأمور ببره ولو كان كافرا، جاهدا في رد ولده للكفر، كما قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا{لقمان:15}، وليس هنالك أعظم من الكفر، والسعي في التسبب في كفر الولد.
وقد عقد البخاري في كتابه: الأدب المفرد، بابًا أسماه: باب برّ والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه.
وقد أحسنت بسعيك للتواصل معه عبر الرسائل، أو الاتصال، فجزاك الله خيرا. ونوصيكم بالإكثار من الدعاء أن يلهمه الله تعالى رشده وصوابه، ويصلح حاله، ويمكن أيضا توسيط بعض أهل الخير للصلح بينكم وبينه، وينبغي أن تُلتمس أسباب غضبه، والعمل على إزالتها حسب الإمكان. وإن استمر في الصدود، وتجاهل أمرك، فهو الجاني، وإن لم يحصل منكم تقصير تجاهه، فلا عقوق.
والله أعلم.