الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزادك الله حرصا على الخير ورغبة فيه، واعلمي أن حزنك على فوات الخشوع ورغبتك في تحصيله دليل على صدق إيمانك، والحمد لله، فما أبعدك -إن شاء الله- عن الإلحاد، وأيا كان سبب ما ذكرت فالشأن الآن في البحث عن العلاج، ولو فرض كون ذلك بسبب عين، فإن الرقية النافعة فيها الدواء -إن شاء الله- ولو فرض أن هذا بسبب معصية، فالتوبة النصوح التي هي وظيفة المسلم في كل وقت علاج ناجع لهذا الداء، ونحب أن نقرر لك قاعدة مهمة في باب السلوك إلى الله تعالى وهي: أن الله لا يخيب سعي ساع أخلص له وقصده صادقا، وأنه تعالى لا يزيد المتقرب منه إلا قربا، فمهما أخلصت لله تعالى واجتهدت في عبادته، فذلك سبيل الخير والتوفيق بإذن الله؛ مصداق قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} . فدعي عنك مثل هذه الأفكار السلبية التي توهمك أن الله لن يهديك ولن يوفقك ونحو ذلك.
ثم الذي يظهر أن ما أصابك إنما هو من كيد الشيطان لك ومكره بك، ويحتاج هذا منك إلى عزيمة صادقة وإرادة قوية تردين بها كيد هذا الخبيث، وقد أخطأت حين تركت بعض ما كنت تعتادينه من الخير مما زاد الداء حدة والمرض شدة، وكان ينبغي أن تستمري في المجاهدة ومدافعة كيد الشيطان حتى يذهب عنك هذا الداء.
واعلمي أن العبد لا يحصل لذة الطاعة إلا بعد جهد ومصابرة؛ كما وضحنا ذلك في الفتوى رقم: 139680، فعليك أن تستأنفي ما كنت تفعلينه من الخير، وتعودي لما كنت تعتادينه من وجوه البر والتقرب إلى الله، وتعوذي بالله من الشيطان، واجتهدي في تدبر القرآن والتفكر في أسماء الرب تعالى وصفاته، والفكر في الدنيا وسرعة فنائها، والآخرة وما أعد الله لأهلها من الكرامة للسعداء والإهانة للأشقياء، فكل هذا يرقق قلبك ويقبل بك على الله تعالى، وأكثري القراءة في كتب الوعظ والرقائق مثل: مختصر منهاج القاصدين، والداء والدواء، ونحو ذلك، واستعيني بالاستماع للمحاضرات النافعة في هذا الباب آخذة بأسباب الخشوع في الصلاة من إحضار القلب والفكرة فيما ترددينه وتقرئينه، والإعراض عن الدنيا وزخارفها بالكلية، والتعوذ بالله من الشيطان كلما عرض لك خاطر يذهب بالخشوع، وأهم ما يعينك في هذا الباب الدعاء فإنه من أعظم أسلحة المؤمن، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فاجتهدي في دعاء الله تعالى أن يصرف قلبك إلى الهدى، ويبعد عنك أسباب الشقاء والردى، والهجي بذكر الله دائما، واصحبي أهل الخير والصلاح، ونوصيك بقراءة كتاب الخشوع في الصلاة للشيخ محمد الصباغ ففيه فائدة كبيرة -إن شاء الله-
وفقك الله لما فيه رضاه، وأعانك على تحصيل مرادك من التقرب إليه ونيل الزلفى لديه.
والله أعلم.